الخليج وسط العاصفة

TT

تفيد التقديرات بأن الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي الذي يعكس حجم اقتصادياتها قد يصل إلى ما يعادل نحو 1.5 تريليون دولار أي 1500 مليار دولار في عام 2013 المقبل اعتمادا على بقاء أسعار النفط عند مستويات فوق 100 دولار للبرميل وهو ما تشير إليه توقعات السوق النفطية في إطار مستويات العرض والطلب العالمية.

وإذا أخذنا بالمعايير العالمية الحالية التي تتحدث عن وزن الدول وقدرتها على التأثير وفقا لحجم اقتصادياتها ومستويات متوسط دخل الفرد فيها، ومدى اتساع اقتصادياتها، فإن هذه الأرقام تعطينا صورة واضحة عن أننا نتحدث عن قوة اقتصادية لا يستهان بها على الصعيد الدولي وضخمة بالمعايير الإقليمية.

وقد مرت على مسيرة مجلس التعاون الخليجي الذي عقد قمته الـ33 أمس في المنامة، وكان تركيزه منذ بدايته على التكامل الاقتصادي لمنطقته وانفتاح أسواقه على بعضها على غرار ما فعلته أوروبا الكثير من التقلبات لعل أبرزها التدهور الشديد في أسعار النفط الذي تعتمد عليه اقتصادياته في الثمانينات، وأزمات أسواق الأسهم ومضارباتها، إضافة إلى تقلبات الاقتصاد العالمي التي تنعكس سلبا وإيجابا على اقتصاديات مرتبطة بالسوق الدولية، لكن المحصلة النهاية كانت إيجابية واستفاد منها المواطن في الدول الست سواء على صعيد التنقل والعمل أو على صعيد الاستثمار، واتسع حجم الاقتصاديات وأسواق المال لتصل تعاملاتها إلى عشرات المليارات من الدولارات يوميا.

سياسيا لم تتوقف الأعاصير في منطقة مضطربة ومليئة بالأزمات فقد رافق إنشاء مجلس التعاون في 1981 الحرب العراقية - الإيرانية والتي صاحبتها حرب الناقلات في الخليج، ثم أخطر تهديد وتمثل في غزو العراق للكويت مرورا بحرب تحريرها، إلى حرب العراق الثانية، وبينهما الكثير من الأزمات التي أخذت طابعا عسكريا في مناطق أخرى في الشرق الأوسط في غزة ولبنان واليمن، يضاف إلى ذلك مخاطر الإرهاب خاصة بعد 11 سبتمبر.

ثم جاء الإعصار السياسي الأخير وهو موجة التغييرات التي شهدتها بعض الدول العربية وبينها دول رئيسية منذ عامين ولم تتوقف تداعياتها حتى الآن بما صاحبها من اضطراب وعدم استقرار، وأحداث دموية ما زالت مستمرة في سوريا ومحاولات استغلال إيراني للتقلبات والأحداث في خدمة أجندتها الإقليمية.

قد لا يكون هذا هو الإعصار الأول الذي تتعايش معه دول مجلس التعاون الخليجي إذا أخذنا في الاعتبار الأزمات الواردة سابقا، لكن طبيعته تفرض تحديا مختلفا في ضوء حالة السيولة التي يخلقها في المنطقة والتي تشبه الظروف التي شهدتها بداية القرن العشرين.

ومن دون شك فإن المشاريع التي تبحثها القمة الخليجية الحالية لتحقيق الاتحاد الخليجي الاقتصادي، تمهيدا للوصول إلى العملة الموحدة إضافة إلى سياسة دفاعية وأمنية موحدة ستجعل الدول الست في وضع أفضل للتأثير إيجابيا في الجوار الجغرافي، ومساعدة المنطقة على عبور العاصفة بأقل الأضرار الممكنة.