ديك الكريسماس

TT

للأعياد ذكرياتها الظريفة والعزيزة. ومنها يوم الكريسماس. يحتفل الغربيون به بأكلة الديك الرومي. ولكن المسيحيين العرب لم يكونوا قد اعتادوا هذا التقليد. فقد طبعوا أنفسهم بطابعنا كمسلمين، وتمسكوا بذرائعنا ومناحي معيشتنا. قلما رأيتهم يعبأون به. فوقع أخي مؤيد في هذا المأزق عندما أجر داره لعائلة دكتور إنجليزي يعمل في العراق. حل يوم الكريسماس وراح أخي يتساءل. ماذا أفعل من كرم لهذا النصراني بالمناسبة؟ سمع بأن الغربيين يتبادلون الهدايا في أيام الكريسماس. ويحتفلون بطبخ ديك رومي، أو ما نسميه الفسيفس، يحشونه باللوز والكستانة والبصل والبطنج. المسألة سهلة، هكذا قال أخي لنفسه. ذهب لسوق الغزل ليشتري ديكا روميا هدية للدكتور الصاحب. ولكن الفسيفس طير نادر في الأسواق العراقية. بدلا منه وجد ديوكا عراقية كثيرة ورخيصة. قال لنفسه: يعني ما الفرق؟ ديك رومي والّا ديك عراقي، كلها دياكة. وغدا يذبحونه ويأكلونه وتنتهي المشكلة.

بيد أن العوائل الإنجليزية لا تعرف ذبح الطيور وتشمئز منه، بل ويمنعهم القانون من القيام بالذبح في البيت. ولكن المسز جونز، زوجة الدكتور استأنست بهذا الديك العراقي فأخذت تربيه وتلاعبه وتلهو به في الحديقة. تجري وراءه ويجري وراءها وأصبح حيوانها المدلل (بت أنيمال). ولكنها نسيت أن الديك العراقي، واسمه عليه، ليس مثل الديك الرومي، بل يعوعي ويصيح ويقلب الدنيا بصياحه. لهذا يسمونه «عراقيا»؟ فأخذ الجيران يشكون أمره لأخي مؤيد. يعني يا ابن القشطيني رضينا أن تؤجر بيتك لواحد إنجليزي، لكن هذا الديك شنو؟ يعوعي من الصباحيات ويمنعنا من نومنا!

لم يعرف أخي كيف يحل المشكلة ويفصل المسز جونز عن الديك الذي هامت به. ازدادت المشكلة تعقيدا باقتراب عيد الأضحى. فكر الدكتور جونز بأن يرد الجميل بالجميل ويهدي أخي حيوانا شائقا بالمناسبة. فاشترى له كلبا سلوكيا لعيد الأضحى. يظهر أنه تصور أننا نأكل أيضا لحم الكلاب مثل الصينيين ونذبح ذبائح كلاب لعيد الأضحى! أو ربما فكر بأنه خير هدية لحراسة خراف العيد. لم يدر مؤيد ماذا يفعل. فأسرته أسرة متدينة وزوجته محفوظة متمسكة بصلواتها. سمعت بذلك فقالت هذا والله سيكون فاتحة الطلاق بيني وبينه. راح الكلب يطارد الديك وينبح عليه، والديك ينط من حائط إلى حائط يعوعي وينادي على المسز جونز أن تخف لحمايته من أسنان الكلب. وهكذا أخذ الجيران يشقون لا فقط بصياح الديك، بل وكذلك بنباح الكلب السلوكي. وهذا ما أذكره من الكريسماس العراقي.

سعى مؤيد في الأخير إلى إطلاق الكلب ليتجول حرا في شوارع المنطقة. كان كل أمله أن الشرطة ستجده سائبا فتطلق عليه الرصاص وتقتله وتحل المشكلة، بيد أن عريف المنطقة حذر أتباعه من ذلك. قال لهم: بالكم وإياكم تتعرضون بكلب بيت القشطيني وتبلونا. وهكذا ظل الكلب عبوسا ينبح والديك جوني يعوعي والناس ترفع يديها إلى الخالق وتستغيث إلى أن رحل الدكتور جونز من العراق.