أمة الكذابين!

TT

عنوان هذا المقال ليس تهكما مني ولكنه مانشيت التقرير نفسه الذي نشرت فيه مجلة النجاح «Success»، نتائج استطلاعها الحصري للرأي على مستوى الولايات المتحدة الأميركية والذي تضمن نتائج مثيرة للاهتمام عن ممارسة الناس للكذب في أروقة العمل الأميركية، وذلك في عدد المجلة للشهر الجاري.

ومن المفارقات التي توصلت إليها الدراسة أن النساء يكذبن أكثر من الرجال أملا في حصولهن على إجازة مرضية وذلك بنسبة 34% في حين «تمارض» نحو 29% من الرجال! واعترف، على استحياء فيما يبدو، نحو 35% من المشاركين بأنهم يسرقون خفية قرطاسية العمل لاستخداماتهم المنزلية، ولكنهم حينما سئلوا إن كانوا رأوا أحدا «غيرهم» يفعل ذلك ارتفعت النسبة إلى 58%! وقد لجأ الباحثون إلى سؤال المشاركين عن رأيهم في تصرف الآخرين حتى يكتشفوا مقدار الهوة بين اعترافات المشارك، الصعبة بطبيعة الحال، وصراحة بوحه بتصرفات غيره المشينة.

ولفت نظري أن 8% اعترفوا بأنهم يقبلون إطراء الناس تجاه مجهوداتهم رغم أنهم لم يقوموا فعليا بتلك المجهودات، ولا يوضحون الحقيقة لمن يقدم ذلك الإطراء! وحينما سئلوا هل رأيتم أحدا يفعل ذلك ارتفعت النسبة إلى 60%. وكان عدد الرجال الذين ينسبون مجهودات الآخرين إليهم ضعف عدد النساء.

وهذه مسألة أخلاقية مهمة لأنها أمانة فكثير من المديرين لا ينبس ببنت شفة حينما يتعلق الأمر بمجهود مرؤوسيه، بل يقدم نفسه للإدارة العليا وكأنه هو الذي سهر على إنجازه ناسيا أن الجزاء من جنس العمل فمن يظلم سيأتي من يظلمه ومن ينتقص من جهود الناس سيأتي من ينتقص منه.

ولاحظت في هذه الدراسة أن ثلث الرجال يتظاهرون كذبا أمام الآخرين، كمسؤوليهم، ليوهموهم أنهم ما زالوا يتذكرون جيدا المهام التي سبق أن أوكلت إليهم فيما قال ربع النساء فقط إنهن يفعلن ذلك.

والملاحظة العامة أن معظم حالات الكذب كانت من نصيب الرجال ما عدا قضية بارزة وهي «تمارض المرأة» لتظفر بإجازة وهي ما نافست فيه الرجل كما ذكرنا!

الكذب في العمل وخارجه مشكلة عويصة. ورغم أن «حبل الكذب قصير» كما يقال فإننا كعرب لا نختلف عن الشعوب الأخرى، فنحن أمة زينا الكذب وسميناه «أبيض» ربما لنخفف سوداوية تصرفنا المشين. ومع أن الكذب لدينا غير مباح في ديننا، إلا أننا نشاهد مظاهره في مختلف مناحي الحياة، وتتجلى صوره حينما نرى حكومات عربية ونوابا في البرلمان يبيعون لشعوبهم الوهم اعتقادا منهم بأننا شعب ساذج ولا يعملون أننا شعب بدأ يتغير ويتعلم ويدرك تفاصيل ما يجري من حوله.

وحتى المديرين صاروا يكذبون على موظفيهم بوعود براقة، وأحيانا بزيادة تخديرية مستقبلية في الراتب، حتى إذا ما جاء «المستقبل» فوجئ الموظف بتواضع الزيادة التي لا تكاد تغطي مقدار نسبة التضخم السنوية في السلع والخدمات التي تعلن عنها البنوك المركزية في الدولة.

إن حكاية الكذب شائكة وليست مقتصرة على أروقة العمل ولذا فإنني أدعو الباحثين المهتمين إلى إجراء دراسات علمية موسعة حول هذه القضية في المدارس وبيئات الأعمال الخاصة والعامة لنفهم هل نحن أمة تفشى فيها الكذب أم أن الصورة ليست بهذه السوداوية.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]