تحول ميانمار الديمقراطي يصمه العنف ضد مسلميها

TT

لقد أخذ تحول ميانمار الديمقراطي يسير بشكل سريع، في اتجاه إيجابي في الأغلب. غير أن العنف العرقي في ولاية راخين يعد خطوة مقلقة للوراء. لقد جذبت أعمال العنف ضد الأقليات المسلمة قدرا كبيرا من الاهتمام وقوبلت بإدانة واسعة النطاق في العالم الإسلامي – بما فيه إيران وإندونيسيا ومصر والسعودية وباكستان وماليزيا ومنظمة التعاون الإسلامي. لقد كانت ثمة بعض المخاوف من أن تجعل المشكلات في ولاية راخين العنف يمتد عبر أنحاء المنطقة.

كانت هناك توقعات بأن أونغ سان سو كي زعيمة المعارضة في بورما ستتخذ موقفا أكثر وضوحا حيال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان. وخاب أمل كثيرين من عدم اتخاذها إجراء واضحا تدين به التمييز ضد طائفة الروهينغيا، التي ذاقت الأمرين في أحداث العنف الأخيرة. أصدرت لاحقا بيانا مشتركا مع مشرعين من أحزاب الأقليات العرقية تطالب فيه بنشر مزيد من القوى الأمنية في ولاية راخين، كما ناشدت الحكومة مخاطبة مخاوف المجتمعين.

وعلى الرغم من ذلك، فإن موقفها الفريد في الدولة يشير إلى أن التوقع بالنسبة لها سوف يسير في اتجاه اختراق التحزب والحديث بشكل أكثر قوة ووضوح ضد الخطاب المتطرف والعنف، وتأييد الحقوق الأساسية لجميع المواطنين في ولاية راخين.

لقد غيرت نهاية الحكم العسكري بعض الديناميكيات الفاعلة. لقد كان المجتمعان ضحايا لقمع حكومة مركزية أو تجاهل على مر العقود. كان النظام العسكري يخشى على وجه الخصوص من ظهور حركات قومية عرقية يمكن أن تتحدى سيطرته على تلك الدولة متعددة الأعراق.

على مدى عقود متعاقبة، انتهج النظام استراتيجية مركزية ركزت السلطة السياسية في أيدي نخبة بورمية وفرض هوية بورمية بوذية على الدولة. الآن، مع تحول ميانمار من عقود من الحكم الاستبدادي، تزداد الروح القومية. ويشمل هذا جوانب من القومية العرقية، مثل إيجاد المجتمعات العرقية فرصة للتعبير عن رأيها والتنظيم، وبدء سياسات الهوية في التأصل – وهو أمر يعزى إلى تصاعد التوترات في ولاية راخين.

ثمة مؤشرات دالة على أنه على عكس الاشتباكات السابقة، فإن السلسلة الأخيرة من أحداث العنف تمثلت بالأساس في هجمات ضد مسلمي الروهينغيا وطوائف إسلامية أخرى خلاف الروهينغيا، تم تنظيمها بشكل مسبق من قبل عناصر متطرفة. ويعتبر هذا موقفا خطيرا بالنسبة لدولة متعددة الأعراق والأديان تطمح في نظام ديمقراطي بعد عقود من العزلة والحكم الاستبدادي.

فيما عادة ما ينظر إليه باعتباره قتالا بين جماعتين مختلفتين، بينهما عداءات تعود لفترة طويلة، فإن واقعة قتل عشرة مسلمين يوم 3 يونيو (حزيران) في مدينة تونغو، ممن لم يكونوا منتمين لطائفة الروهينغيا، جاءت بعد توزيع كتيبات تحريضية تهاجم أتباع ديانتهم. كان هذا تطورا مقلقا، إذ أظهر التوترات في صورة مسلمين ضد بوذيين وأوضح كيف يمكن أن يستغل انعدام الثقة بين الأديان من قبل موجة المشاعر المتصاعدة المفرطة في الروح القومية.

ثمة شائعات غامضة عن مشاركة هؤلاء المعارضين للإصلاحات القومية. ومع ذلك، فإن الديناميكيات المحلية توضح أن العنف لم يكن عفويا وتشير إلى أنه لم يحدث في تحد للإصلاحات ولكن بسببها. لقد أفسح التحول مساحة غير مسبوقة للتنظيم تم إنكارها على مدى عقود، من بينها قضايا قومية تم قمعها لفترة طويلة. لقد سمح لجماعات دون قومية بالتعبير علنا عن شكاواهم القاسية وتوجيه دعوى لحمل السلاح من دون فحص دقيق أو رقابة. لقد ساعدت إمكانية الدخول على شبكة الإنترنت في نشر هذه الأفكار.

وفي نهاية سبتمبر (أيلول) 2012 في سيتوي، فيما اعتبر أكبر مؤتمر عام لطائفة الراخين العرقية، صاغ ممثلوها بيانا رسميا قوميا يصدق على مشاريع القوانين التي تدعم تشكيل ميليشيات محلية مسلحة وتعزيز قوانين المواطنة وإزالة قرى الروهينغيا واسترداد الأراضي التي خسروها من قبل. وعارض المؤتمر الخطط الهادفة للم الشمل بين المجتمعات وإصدار بطاقات هوية قومية لمسلمي الروهينغيا وإنشاء مكتب اتصال لمنظمة التعاون الإسلامي في يانغون.

وعلى الرغم من حقيقة أن معظم مسلمي الروهينغيا قد عاشوا في المنطقة على مدى أجيال، فإنه عادة ما كان من الصعب بالنسبة لهم الحصول على المستندات الرسمية الأساسية مثل شهادات الميلاد ووثائق الزواج، وبالتبعية أوراق إثبات الجنسية.

تشير تقديرات وكالة الأمم المتحدة للاجئين إلى أن عدد مسلمي الروهينغيا عديمو الجنسية يربو على 808 آلاف شخص. وفي واقع الأمر، فإن القوانين المحلية التي تقيد الزواج تجعل تلبية المتطلبات والحصول على الوثائق الرسمية الأساسية مثل شهادات الميلاد، خاصة بالنسبة للفقراء، عملية صعبة ومهدرة للوقت ومكلفة. إن التحيز ضد المسلمين وأصحاب البشرة السوداء متأصل في ميانمار، التي، على الرغم من طبيعتها الممثلة في تعدد الأعراق والأديان، طالما تمتعت بهوية بورمية بوذية فرضت عليها من قبل النخب البورمية المتعاقبة.

ظهرت على السطح آمال في أن ينتهي الوضع غير الموثق لمسلمي الروهينغيا عما قريب، والذي لم يفعل شيئا سوى أن أذكى روح جنون العظمة بين أفراد طائفة الراخين الذين يخشون التهميش في ولايتهم. لقد قيل إن مسحا استطلاعيا في مايو (أيار) عام 2012 قد توصل إلى أن 70 في المائة من مسلمي الروهينغيا لديهم أوراق إثبات نسب كافية تجعلهم مؤهلين للحصول على نوع من وثائق الهوية القومية. ويعتقد بعض المراقبين أن المخاوف من احتمال تحقق هذه الوعود الانتخابية قد أشعل الروح القتالية الأخيرة لدى طائفة الراخين.

إن أي محاباة لجماعات وطوائف عرقية، لا سيما إذا كانت مصحوبة بإنكار الحقوق الأساسية الأخرى لمسلمي الروهينغيا، سوف تزيد بدرجة هائلة من صعوبة مخاطبة التوترات الكامنة وتعزيز الانسجام المتبادل. من دون ذلك التقدم، من المرجح أن يتأجج العنف مجددا في المستقبل، الأمر الذي من شأنه أن يلحق الضرر بالمجتمعين، وبالدولة ككل. علاوة على ذلك، فإنه سيصعب أيضا مخاطبة القضايا الجوهرية: الحقوق الأساسية لمسلمي الروهينغيا ووضع المواطنة وشعور طائفة الراخين بالخوف من الضغوط الديموغرافية. لا ينبغي الاستهانة بقدر هذه المخاوف السائدة بين أفراد طائفة الراخين أو تجاهلها. وهذا أيضا يثير تساؤلا حول ما إذا كانت التوترات بين الطوائف في المناطق الأخرى من الدولة يمكن أن تتحول لأعمال عنف. إن ميانمار لها تاريخ من الصراعات بين الطوائف، مثل المجتمع الهندي (المسلمين وغير المسلمين) والمجتمع الصيني. لا ينبغي أن ترضى ميانمار عن هذا الوضع. إن تجارب الآخرين في المنطقة وماضي الدولة يشيران إلى أنه يمكن استغلال التوترات الطائفية وإشغال جذوتها لتحقيق مكاسب سياسية. على وجه التحديد، ثمة خطر حقيقي متمثل في اتخاذ العنف في ولاية راخين طابع صراع بين بوذيين ومسلمين على نحو أكثر وضوحا، مع احتمال امتداد الاشتباكات إلى كثير من المناطق الأخرى التي توجد فيها أقليات إسلامية. وسيكون لهذا عواقب وخيمة تهدد الاستقرار والإصلاح.

حتى مع استمرار سير تحول ميانمار الديمقراطي بخطى سريعة، يمثل العنف العرقي في ولاية راخين تهديدا للاستقرار الوطني. وهو يتطلب قيادة أخلاقية حاسمة من جميع قادة الدولة، في ظل سعيهم لإيجاد حلول طويلة الأجل لكثير من التحديات المنتظرة، من بينها التمييز القائم منذ فترة طويلة ضد مسلمي الروهينغيا والأقليات الإسلامية الأخرى.

* مدير شؤون جنوب شرقي آسيا بمنظمة الأزمات الدولية.