أحداث 2012 وتنبؤات المستقبل

TT

سوف أبدأ هذه المقالة بإشارة تبعث على السعادة وهي أن العالم لم ينته خلال العام الجاري، حيث جاء الحادي والعشرون من ديسمبر (كانون الأول) وانتهى من دون أي إشارة إلى «الفرسان الأربعة»، وهو ما يثبت أن شعب المايا (أو بالأحرى أسلافهم) غير فاهمين. لقد أظهر لنا هذا مخاطر التنبؤ، ولكنه يجعلنا نتساءل عن السبب الذي يجعل مثل هذه النبوءات تعوقنا. في الحقيقة، لا يكترث أحد بمثل هذه الخرافات.

وبدلا من الكلام المعتاد عن أحداث العام الماضي، لماذا لا تدفعنا هذه التنبؤات للقيام بتحليل الأحداث التي وقعت في الآونة الأخيرة والتنبؤ بما سيحدث في المستقبل، مثل تقلبات الثورات العربية خلال الـ12 شهرا الماضية، على سبيل المثال؟

من جهة، شهدت مصر أول انتخابات حرة حقيقية في تاريخها الحديث، ولكن من جهة أخرى قام القضاة الذين ينتمون للنظام السابق بحل البرلمان بسبب حجج واهية، ورد الرئيس الإسلامي بتمرير الدستور الجديد الذي يرسخ قواعد «إسلامية» محافظة ضد إرادة أكثر من ثلث السكان، فهل يتعين علينا هنا أن ننظر إلى النصف الممتلئ أم النصف الفارغ من الكوب؟ أعتقد أنه يتعين علينا النظر إلى الاثنين معا، وكيف يمكن أن يكون الوضع خلاف ذلك ونحن نعيش في عالم من البشر غير المعصومين من الأخطاء؟ لقد تم كسر القالب، وبات نحو نصف العرب في العالم يعيشون بالفعل في بلدان تحتكم إلى الديمقراطية في الأساس.

في الحقيقة، تدار اللعبة السياسية بطريقة قاسية للغاية في بعض البلدان العربية، ولكن هذا شيء طبيعي في الديمقراطيات الحديثة – وحتى في بعض من أعتى الديمقراطيات أيضا. وخلال السنوات القادمة سوف يتعمق التحول الديمقراطي، وسط اضطرابات أوسع، وسوف تخرج معظم البلدان العربية من هذه التجربة وهي بلدان ديمقراطية طبيعية ومكتملة الأركان، مثلها في ذلك مثل معظم بلدان العالم الأخرى.

وخلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، كان هناك أسبوع من القصف الإسرائيلي والهجمات الصاروخية على قطاع غزة، بزعم أن هذا جاء كرد فعل على الهجمات الصاروخية الفلسطينية على إسرائيل، ولكن هذه العمليات الانتقامية مستمرة منذ فترة طويلة ولم يعد من المجدي الحديث عن الطرف الذي بدأها. ولم تقم إسرائيل بأي شيء يمكن أن يوقف الدعم المتنامي لقيام الدولة الفلسطينية، حيث وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على منح فلسطين صفة دولة مراقبة غير عضو في المنظمة الدولية، بعد موافقة 138 دولة ورفض 9 دول.

ثم هناك الولايات المتحدة، فلم يتمكن باراك أوباما من تحقيق سوى قدر ضئيل من الإنجازات عدا إصلاح برنامج الرعاية الصحية في فترته الرئاسية الأولى، لكنه أعيد انتخابه على أي حال. كان خصمه الجمهوري يركز في حملته على بطء عملية التعافي من أخطر ركود خلال 70 عاما (الذي تسببت فيه الإدارة الجمهورية السابقة)، لكن الأرقام بدأت في الارتفاع لصالح أوباما في الوقت المناسب.

وربما تشهد مرحلة التعافي الاقتصادي مزيدا من التحسن خلال العام القادم ما لم تسقط الولايات المتحدة من الهاوية المالية الأسبوع القادم أو نحو ذلك، وسيمنح النمو القوي أوباما رأس المال السياسي الكافي للقيام بمشروع إصلاحي ضخم على الأقل. وستكون الأولوية الأبرز بالنسبة له الاحترار العالمي، لكنه يواجه خطر تبديد موارده من الدعم بإثارة قضية مثل السيطرة على السلاح.

من بين أشهر التحولات التي شهدها العام الحالي، الأنباء عن التغييرات الواعدة مثل الانتقال التدريجي نحو الديمقراطية في بورما، وتدشين محادثات السلام التي قد تنهي 60 عاما من الحرب بين الحكومة والجماعات المسلحة في كولومبيا، والعودة إلى سيادة القانون في المناطق التي تسودها الفوضى في الصومال.

وبالمثل كانت هناك بعض الأخبار السيئة، منها على سبيل المثال التمرد الذي قام به متطرفون إسلاميون والذي مزق دولة مالي إلى نصفين في أبريل (نيسان)، والمذابح التي ارتكبت بحق المسلمين في بورما في شهر يوليو (تموز)، والمذبحة التي ارتكبتها الشرطة بحق عمال المناجم المضربين عن العمل في جنوب أفريقيا في أغسطس (آب).

هناك توقعات بوفاة رئيس فنزويلا بالسرطان، ويتوقع أن تكون قواعد اختيار خليفته مثار خلاف. كما واجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مظاهرات شعبية غير مسبوقة بعد انتخابه في مارس (آذار) الماضي، لكن يبدو أن سلطاته لا تزال آمنة. وشهد العام أيضا هبوط مسبار بنجاح على سطح المريخ في أغسطس وهو الآن يسير بنشاط في جميع أنحاء الكوكب. وقد تأكد وجود بوزون هيغز (أو على الأقل بشكل مبدئي).

وبعبارة أخرى ستظل الأوضاع الاقتصادية على حالها. فلم يكن عام 2012 عاما سيئا على نحو خاص، وإذا كنت تعتقد أنه كذلك فأنت تطالع الكثير من الصحف وتشاهد قناة «سي إن إن» بكثرة، فبضاعتهم هي الأزمة والمأساة، لذا يمكنك دائما الاعتماد عليهم في الحصول على أسوأ الأخبار الممكنة. في الوقت ذاته لم يكن العام بالعام الجيد أيضا، لكن لا تكترث لذلك، فسوف يكون هناك آخر قريبا.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية