نعم للدستور والاقتصاد يدخل غرفة الإنعاش

TT

نجح الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في الحصول على الموافقة على مشروع الدستور، رغم اعتراض القوى المدنية ورغم الشكاوى من المخالفات التي وقعت خلال عملية الاستفتاء. وفي المقابل فشل الرئيس والجماعة في الوصول بالبلاد إلى حالة الاستقرار السياسي الذي تحتاجه مصر الآن أكثر من أي وقت مضى، ورأت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية أن الاستفتاء على الدستور قد أدخل مصر في دوامة الفوضى، وأهدر فرصة بناء توافق شعبي حول تدابير التقشف التي يحتاجها الاقتصاد المتعثر.

فقد أدى الصراع المستمر بين «الإخوان» والتيارات المدنية إلى تدني الوضع الاقتصادي لمصر، مما بات يهدد بانهيار تام خلال ستة أشهر. وقال عصام العريان، نائب رئيس حزب «الإخوان»، إن «الكارهين لمصر الحديثة الديمقراطية الدستورية بدأوا معركة الاقتصاد فور إقرار الدستور». واتهم العريان بطريقة غير مباشرة بعض الدول العربية بالوقوف خلف ما سماه معركة الاقتصاد بقوله «إنهم لا يخفون حقدهم وحسدهم لبلد لم يحمل دائما إلا الخير لكل من حوله، وفاض بالخير على بلاد العرب أجمعين».

فعلى أثر إعلان نتيجة الاستفتاء تراجعت مؤشرات البورصة، بسبب مخاوف المستثمرين من حالة الاقتصاد المصري، وخسرت نحو 42 مليار جنيه. وفي خطورة لها دلالات كبيرة أعلنت مؤسسة «ستاندرد آند بورز» العالمية عن خفض تصنيفها للائتمان المصري إلى «بي سالب» بسبب حالة عدم الاستقرار، الذي وضع مصر في قائمة الدول ذات الخطورة الاستثمارية. وسوف يؤدي انخفاض التصنيف الائتماني إلى صعوبة الحصول على أموال من الخارج، سواء في شكل استثمارات أو تعاملات بنكية أو قروض. واعتبر رؤساء بعض البنوك أن هذا التخفيض جاء بمثابة كارثة اقتصادية، وسوف يضعف قدرة الحكومة على الاستيراد، وإذا ما استمر الوضع السياسي على ما هو عليه الآن فإنه سيؤدي إلى الإفلاس خلال ستة أشهر. وقال الدكتور عمرو حسانين، الخبير الائتماني، إن «التصنيف وضع مصر في نفس مستوى اليونان التي تعاني أزمة مالية طاحنة»، مؤكدا أن مصر صارت «على حافة الإفلاس». («المصري اليوم» - 2012/12/26)

وتواجه الحكومة المصرية التزامات مالية كبيرة يجب سدادها بالدولار، لسداد أقساط الدين الخارجي الذي يبلغ 35 مليار دولار في موعده، وأولها قسط يناير (كانون الثاني) المقبل الذي يبلغ 700 مليون دولار. ومع أن المتحدث باسم مجلس الوزراء أكد أن الوضع الاقتصادي والمالي في مصر أصبح شديد الخطورة، مما يستوجب اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ البلاد، لتحفيز الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية، فإن علاء الحديدي قال إن الحديث عن إفلاس مصر لا يمت للواقع بصلة، مؤكدا أن الحكومة ملتزمة ومستمرة في سداد التزاماتها ودفع رواتب الموظفين، وأكد أن الحكومة مستمرة في مفاوضاتها للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 4.800 مليار دولار.

وتوقع ممتاز السعيد، وزير المالية، أن يؤدي تطبيق القوانين الضريبية الجديدة، الشهر القادم، إلى تمكين الحكومة من مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها والمتمثلة في فجوة تمويلية قيمتها 14.5 مليار دولار في العام المقبل. ورغبة منه في الحد من خروج النقد الأجنبي من مصر، أصدر الرئيس مرسي قرارا بأن يكون إخراج النقد الأجنبي من مصر في حدود 10 آلاف دولار أميركي فقط، مما أثار قلقا ومخاوف في الشارع المصري.

وفي الوقت ذاته، رصدت هيئة السلع التموينية أن كمية القمح المتاحة الآن تصل إلى 4 ملايين و235 ألف طن، تؤمن الخبز حتى نهاية شهر مايو (أيار) المقبل، بعدها لا بد للحكومة من الحصول على مبالغ كافية من العملة الصعبة لتأمين الخبز في باقي سنة 2013. في الوقت ذاته، وصلت خسائر قطاع السياحة إلى 300 مليون دولار أسبوعيا، حيث تراجعت نسب الإشغال في الفنادق، بسبب إحجام السائحين عن زيارة مصر في الظروف السياسية غير المستقرة.

ويواجه الاقتصاد المصري ثلاث صعوبات رئيسية: عجز الموازنة بحيث إن الحكومة تنفق أكثر مما لديها، ونقص الدخل بسبب انخفاض الإنتاج وانخفاض عدد السياح الأجانب، مما أدى إلى انخفاض احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية. ووصف هشام عز العرب، رئيس البنك التجاري الدولي، الوضع الاقتصادي في مصر الآن بأنه «يمر بمنعطف خطر... وإذا لم نسارع الخطى بشكل جاد وبإجراءات عاجلة وناجعة، فإن الوضع قد ينزلق إلى ما هو أخطر.. إن كل قرش يرتفع في قيمة الدولار أمام الجنيه يزيد فاتورة الواردات بنحو 100 مليون دولار سنويا، وإن الزيادة التي تحققت خلال الأيام القليلة الماضية تعني زيادة فاتورة الواردات بنحو مليار دولار».. ونوه بأن «السياسة حاليا هي المسؤولة عن تدهور الوضع الاقتصادي، وأن جزءا مهما من إصلاح الاقتصاد يتوقف على الموقف الاقتصادي» («الأهرام» 2012/12/26).

إذا كان عدم الاستقرار السياسي هو السبب في فشل المشروع الاقتصادي وتهديد مستقبل البلاد، فكيف يمكن إعادة هذا الاستقرار؟ وإذا كان الرئيس وجماعة الإخوان قد ربحوا مشروع الدستور، فهل في استطاعتهم مواجهة تحدي فشل الاقتصاد؟