وأصبح لدينا عالم مريض بشكل أكبر!

TT

نعيش اليوم في العالم مدة أطول، ولكننا نحيا حياة مليئة بالألم والمرض، هذا ما خلصت إليه نتائج الدراسة الأحدث حول الصحة في العالم. هذه «المفارقة المدمرة بسخريتها» Devastating Irony، على حد وصف الباحثين أنفسهم، هي النتيجة التي وصلوا إليها بعد 5 سنوات من الدراسة الطبية الموصوفة بأنها «الأكبر شمولا في تقييم الحالة الصحية على المستوى العالمي في تاريخ الطب»، وهي الدراسة المسمّاة «دراسة العبء العالمي للأمراض» Global Burden of Disease Study التي أجرتها «مؤسسة قياس وتقييم الصحة» Institute for Health Metrics and Evaluation (IHME) بالولايات المتحدة.

الدراسة الطبية هذه، كواحدة من أكبر الدراسات الطبية المتخصصة بشكل دقيق في تقييم المستوى العالمي للصحة، انهمك في إعدادها أكثر من 480 باحثا من 302 مؤسسة طبية وعلمية في 50 دولة من دول العالم. وقامت مؤسسة «بيل ومليندا غيتس» بدعمها ماديا، وتم نشرها في عدد الخميس 13 ديسمبر (كانون الأول) لمجلة «لانست» The Lancet الطبية العالمية. ووصفها الدكتور ريتشارد هورتون، وطاقم تحرير المجلة العلمية، بأنها الدراسة الأكبر شمولا في تقييم الصحة العامة في العالم خلال تاريخ الطب كله، وأنها بنتائجها تتطلب مراجعة عاجلة للأولويات في شأن تطوير تقديم الرعاية الطبية على مستوى العالم.

وأفاد الباحثون بأن العالم تطور بشكل كبير في محاربة الأمراض الميكروبية المعدية، ولكن نتيجة لذلك أصبح الناس يعيشون مدة أطول مليئة بالأمراض والمعاناة من الألم والإعاقات والاضطرابات النفسية، وبالتالي تواجه دول العالم اليوم موجة مرتفعة من التكاليف المادية والاجتماعية العالية، نتيجة ارتفاع أعداد الناس الذين يعيشون بالأمراض والإصابات.

ومن بين النتائج الأخرى، لاحظ الباحثون أنه على الرغم من انخفاض حالات سوء التغذية كسبب للوفيات والإصابة بالأمراض، نشأت محلها مشكلات صحية أكبر نتيجة للشراهة في تناول الأطعمة بين عامة البشر وفي كل مناطق العالم، وحتى في الدول الفقيرة. وفي عام 2010، بلغت نسبة الوفيات بسبب زيادة وزن الجسم أعلى بمقدار 3 أضعاف نسبة الوفيات الناجمة عن سوء التغذية. كما حلت مشكلات التدخين وشرب الكحول محل المشكلات العالمية السابقة لجوع الأطفال.

وأمسى التدخين وشرب الكحول في المرتبتين الثانية والثالثة بعد ارتفاع ضغط الدم، الأول، كمخاطر رئيسية تهدد الصحة العامة في العالم.

وعلق البروفسور ماجد عزت، رئيس الصحة البيئية العالمية في أمبريال كولدج بلندن وأحد الباحثين الرئيسيين في الدراسة، بالقول: «لقد غادرنا عالم ما قبل 20 عاما، حيث كان الناس لا يجدون ما يقتاتون عليه بشكل كافٍ، ووصلنا إلى عالمنا المريض اليوم بسبب الإفراط في تناول الأطعمة، وخاصة منها الأطعمة غير الصحية، وحتى في الدول النامية».

وأضاف الباحثون أن المشكلات الصحية الرئيسية اليوم ناجمة عن أمراض واضطرابات لا تقتل الإنسان بشكل مباشر وبسرعة، بل تتركه مريضا يعاني تبعات ومضاعفات لمدة أطول! ولذا نعيش فترة زمنية أطول مليئة بالمشكلات الصحية التي تتسبب بالمزيد من الآلام وتدني قدرة الحركة والتنقل وتعيقنا عن الرؤية والسمع والتفكير بشكل واضح.

ووجد الباحثون أن من بين نحو 53 مليون وفاة في عام 2010، بلغت النسبة الأعلى لأمراض الشرايين القلب والسكتة الدماغية، بما يوازي 8 أضعاف الوفيات بمرض الإيدز. كما لاحظ الباحثون ارتفاعا في نسبة الوفيات بين مَن هم في سن ما بين 15 و49 سنة بمقدار 44 في المائة في عام 2010 بما كان عليه الحال في عام 1970، أي ارتفاع حاد في معدلات الوفيات بين الشباب ومتوسطي العمر.

وأفاد الدكتور كريستوفر ميوري، مدير مؤسسة قياس وتقييم الصحة، بأن اليوم ثمة قلة من الناس يعيشون حولنا خالين من الأمراض ويتمتعون بصحة جيدة، وكلما تقدم الناس في العمر زادت مشكلاتهم الصحية، وهو ما يفرض علينا القيام بعملية إعادة تقييم ذاتية لما سنكون عليه في سبعينات أو ثمانينات أعمارنا، كما يفرض على أنظمة تقديم الرعاية الصحية وضع أولويات جديدة في خططها المستقبلية.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]