هرم صحافي في الهواء

TT

عمم الأميركيون، أو بالأحرى «عولموا»، خلال القرن الماضي، ثقافة التبسيط. بدل السروال المكوي بنطلون «الجينز»، وبدل وجبة اللحم البقري ساندويتش «الهامبرغر»، وبدل كوب العصير الطازج زجاجة الكولا، وبدل المسرح الشعبي السينما للجميع. وفيما هم يعولمون عاداتهم ومخترعاتهم الاجتماعية، ابتكروا أيضا فكرة المجلة الأسبوعية الإخبارية الصغيرة الحجم، المختصرة المواضيع، المقتضبة اللغة، وكان ذلك مع صدور «تايم» عام 1923، بعدها بعشر سنوات صدرت منافستها «نيوزويك».

هذا الأسبوع صدر العدد الورقي الأخير من «نيوزويك» بعد 79 عاما على صدورها، لكي تنضم إلى الصحافة الإلكترونية. قلدت «التايم» في حجمها وصيغتها، مطبوعات كثيرة في أوروبا وأميركا اللاتينية وبقية العالم. وفضلت معظم الأسبوعيات في العالم العربي الإبقاء على الحجم الأكبر المألوف: «الأسبوع العربي»، «الحوادث»، «المصور»، فيما ذهبت «روز اليوسف» إلى الحجم الجديد، إنها لم تعط أهمية للصورة الفوتوغرافية بل «للكاريكاتير».

ازدهرت «نيوزويك» على منافسة وتحدي «التايم». وحافظت «التايم» على رونقها بسبب منافسة الغريمة الجديدة. وتقدمت صحافة أميركا وأوروبا بسبب حدة المنافسة، فيما بقيت صحف الحزب الواحد في الاتحاد السوفياتي وسائر الديار المستوحدة، تطبع على ورق ذي رائحة وبحبر ذي رائحتين، وتكتب بأقلام مملة متكررة، ومفردات أصبحت مضحكة مع الأيام.

لا صحافة جيدة من دون منافسة. الصحافة الرسمية في العالم العربي جعلت من بلد صغير مثل لبنان ينافس صحافة مصر في مرحلة معينة. انتهت جميع أشكال العمل الصحافي في العراق وسوريا، ولم يبق سوى صحف «الثورة» الخالية حتى من الإعلانات. إلغاء الفرد والحرية وحوافز التقدم هو في الصحافة استبدال ثاني أوكسيد الكربون بالأكسجين.

تغير زمن «نيوزويك» الإخباري. لم يعد القارئ ينتظر أسبوعا لكي يعرف ماذا حدث حول العالم. ولا يستطيع مراسل المجلة أن يصل إلى موقع الحدث قبل مراسل التلفزيون. وحتى الصحافة اليومية لم يبق لها سوى التميز بالمادة وليس بالسبق. لذلك تبذل صحف أميركا وألمانيا جهدا هائلا في تطوير نوعية المادة. وتتقدم في بريطانيا صحيفة «الغارديان» فيما تتراجع الصحف الأخرى وتتحول إلى صحف إعلانية توزع مجانا.

لن يكون لـ«نيوزويك» منافس واحد على «النت»، بل آلاف المنافسين في صيغ متفرقة ومتعددة. والأرجح أنها سوف تضيع. هرم صحافي آخر تذره عاصفة لا حبر فيها ولا ورق.