هل طالباني أول وآخر رئيس كردي للعراق؟

TT

لما دخل طالباني في غيبوبة إثر جلطة دماغية أعادته إلى ألمانيا لتلقي العلاج، سرت أقاويل وشائعات عنه، بلغت حد القول بوفاته ومن ثم استقرار وضعه الصحي، وأخرى رشحت شخصيات عربية لخلافته في حال وفاته أو عجزه عن أداء مهامه، وخلال ذلك تمسك الكرد بمنصبه الرئاسي وتردد اسما د. برهم صالح، وهو سياسي محنك، وسيدة العراق الأولى هيرو إبراهيم أحمد، التي هي بدورها ناشطة قومية كردية كبيرة، أما عالميا فقد دعا باحثان أميركيان واشنطن للدفع باتجاه اختيار رئيس كردي للعراق. وكأن إيران غائبة عما يجري، وهي اللاعب الرئيسي في الساحة العراقية.

كل هذا من غير أن يحسب أحد حسابا للمفاجآت والاحتمالات التي من شأنها أن تقلب التوقعات رأسا على عقب؛ فقلة وضعت ببالها احتمال رفض بغداد لأي كردي رئيسا للجمهورية، وهو وارد إذا أخذ بأجواء التوتر المتفاقم بين بغداد وأربيل الذي ينذر بنشوب حرب بينهما جراء مواجهة الجيش العراقي والبيشمركة الكردية بعضهما لبعض على امتداد جبهة عريضة، ثم إن لتراجع حكومة المالكي عن اتفاقيات وقعتها مع الأطراف العراقية لحل الأزمة التي تعصف بالعراق منذ سنوات، كاتفاقية أربيل مثلا التي قضت بإناطة وزارة الدفاع إلى ائتلاف «العراقية» والمجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية إلى رئيسه د. إياد علاوي، أكثر من مثال.

وإذا كانت حكومة المالكي قد نجحت في حجب المنصبين عن الائتلاف، الذي حاز في حينه 91 مقعدا مقابل 89 مقعدا لائتلاف دولة القانون الحاكم، أضف إلى ذلك ما يتمتع به ائتلاف «العراقية» من عمق سني عربي وغير عربي وشروط أخرى قوية لصالحه، لذا فما الذي يمنع الحكومة العراقية من الالتفاف على الحق الرئاسي الجمهوري للكرد؟ ومع توفر عوامل مشجعة تزين للالتفاف، منها رفض العرب السنة في البدء، ليس تسنم طالباني منصب رئاسة الجمهورية، بل وحتى تسلم هوشيار زيباري لوزارة الخارجية. لقد استكثروا على الكرد المنصبين ورأوا في إسنادها إليهم انتقاصا لـ«عروبة» العراق. فلقد كان المكون العربي السني الأشد رفضا لتولي طالباني وزيباري للمنصبين. وعليه فإن ما أوردناه من شأنه أن يسهل حرمان الكرد من المنصبين وفي الظروف الحالية التي يمر بها العراق، فضلا عن هذا، يجب ألا ننسى أن إسناد المنصبين إلى الكرد جاء بمثابة استثناء عن القاعدة أو حالة طارئة في عالم عربي لا يجيز أن يبوء غير العرب، والاستثناء والحالة الطارئة غالبا ما يزولان بزوال الأسباب.

لقد لاحت في الآونة الأخيرة بوادر عدم الاعتراف بالدور الرئاسي الكردي في علاقات متدهورة بين المالكي وطالباني وبين الأول وقادة آخرين من الكرد كبارزاني، بل وبين الحكومتين المركزية والإقليمية، كما أن زيباري تعرض ولا يزال إلى أكثر من حملة لإقصائه. ولاحت البوادر أيضا في توجه نائب طالباني، خضير الخزاني لحضور آخر اجتماع للأمم المتحدة على مستوى رؤساء الدول، وكان طالباني آنذاك في ألمانيا قد شفي من المرض وكان قادرا على حضور ذلك الاجتماع وكذلك حضور مؤتمر دول عدم الانحياز الذي عقد في طهران، إلا أن المالكي حضره بدلا عنه، وبعد عودته (طالباني) من ألمانيا إلى العراق فإنه قصد السليمانية، ومن هناك راح يستقبل المهنئين بعودته وسلامته، وأثناء ذلك ساد اعتقاد بأنه لن يعود إلى بغداد، وقد يعترض بعضهم قائلا: «ولكنه عاد». نعم، عاد بتكليف من بارزاني لأجل حل الأزمة الراهنة ليس إلا. وطوال الأيام السابقة على غيبوبته التي كرسها لأجل حل الأزمة السياسية، طغت أحاديث عن برود وجفاء بينه وبين المالكي وصلت إلى حد سريان خبر عن حراك سياسي للجمع بينهما!! ومما يجدر الإشارة إليه أن مساعي طالباني الحميدة للجمع بين الفرقاء العراقيين كانت تصطدم بعد كل مسعى بتحركات على الأرض من جانب حكومة المالكي من قبيل تشكيل قيادة عمليات دجلة لإفشالها مثلا.

قد يطول العمر بطالباني، وهذا ما ينشده الجميع باستثناء الذين يدفعون بالأوضاع نحو المزيد من التأزم. إلا أن أداءه الوظيفي قد لا يكون مقبولا نتيجة مضاعفات لا بد أن تنجم عن مرضه أو من وضعه الصحي القلق، إضافة إلى التدهور السائد في العلاقات بين بغداد وأربيل، لذا فإن انتزاع المناصب: رئاسة الجمهورية وزارة الخارجية ورئاسة أركان الجيش، وأخرى غيرها من الكرد، احتمال جد قوي. اللهم إلا إذا حصلت «معجزة» تحول دون ذلك.

* كاتب سياسي – العراق