السعودية.. هي ميزانية العقل

TT

قدم العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز للسعوديين أكبر ميزانية في تاريخ بلادهم. وربما يقول قائل إن هذه الميزانية طبيعية، ومتوقعة، نظرا لارتفاع أسعار النفط، وهذا صحيح وغير صحيح، وتحديدا في منطقتنا؛ فالمتعاطي مع الشأن العام من الجانب السياسي ينظر لكل شيء من منظور سياسي، وهنا بيت القصيد.

فكاتب المقال، مثلا، لا ينظر للميزانية السعودية من شق اقتصادي، بل سياسي، فالميزانية السعودية التاريخية التي قدمها خادم الحرمين الشريفين ليست مؤشرا على قدرات السعودية النفطية، بل هي مؤشر أيضا على العقلانية السياسية السعودية، وانضباطها لما فيه مصلحة بلادها، وشعبها، خصوصا في لحظات حرجة تمر بها كثير من دول المنطقة. صحيح أن أسعار البترول ترتفع، وتنخفض، وبالطبع فإن البترول هبة من الله، وفضل على عباده، لكن ليتضح المقصود يجب أن نقارن، مثلا، السعودية اليوم بإيران، التي تحتل المرتبة الثانية في العالم في احتياطي الغاز الطبيعي، والمركز الثالث في احتياطي النفط. قارن الميزانية السعودية التاريخية بالوضع الاقتصادي لإيران التي شهد ريالها هذا العام انهيارا أربك النظام الإيراني كله.

السعودية نفطية وإيران كذلك، والعراق نفطي أيضا، وبأنهار، وأراض زراعية، لكن الفارق كبير، والسبب السياسات الحكيمة؛ ففي الحالة السعودية هناك نظام تستطيع أن تقول إنه بحاجة إلى الكثير من الإصلاح في الأنظمة، والقوانين، والتعليم، وأمور أخرى، لكن لا يمكن أن تقول إن السعودية دولة مغامرة، أو متآمرة، أو إنها تعرض خيرات شعبها للخطر بمقامرات غير محسوبة، أو إنها تبحث عن دور ليس لها. وقناعتي وإيماني أن مكانة السعودية الحقيقية ليست بترولية وحسب، بل في كونها مهبط الوحي، وأرض الحرمين الشريفين، الدولة التي تهوي إليها أفئدة المسلمين من كل العالم، ولذا فإن لها أثرا مهولا وقيمة لا تقدر بثمن في كل العالم. ولذا فإن ميزانية السعودية التاريخية تقول لنا إنه عندما يكون النظام الحاكم عاقلا متعقلا، ويراعي مصالح شعبه، فإن بمقدوره أن يستفيد من الخيرات التي أفاء الله عليه بها، لكن السياسات الطائشة، والعبثية، والعدوانية، كالحالة الإيرانية، فإنها تؤدي إلى تشرذم البلاد، أي بلاد، وهذا ما يحدث بحق إيران اليوم التي يقف العالم جله ضدها، وضد سياساتها، ولو كانت إيران السياسة سهما اليوم في أسواق الاقتصاد لما وجدت من يشتري.

وفي الحالة العراقية، بالطبع، لا يهم إذا كانت هناك مصادر دخل نفطية، أو طبيعية، ما دام النظام الحاكم نظاما إقصائيا، يفرز المواطنين حسب طائفتهم، وانقيادهم للحزب الحاكم، فالمغامرات والإقصاء لا يبنيان وطنا، ولا يجلبان استقرارا، وهذا ما يجب أن نراقبه بعناية في قصة الصراعات الدائرة في دول الربيع العربي. وعليه، فرغم كل الاحتياجات السعودية الداخلية للإصلاح والتطوير، وضرورة استمرار الاستثمار في الإنسان السعودي، رجلا وامرأة، خصوصا في مجال التعليم، وضرورة مواصلة برنامج الملك عبد الله للابتعاث، فإن الميزانية السعودية التاريخية، وبالمقارنة مع بعض دول المنطقة، وتحديدا إيران، تقول لنا إنها وفي هذا التوقيت ليست ميزانية اقتصادية وحسب، بل هي ميزانية تظهر حجم العقل والتعقل لدى القيادة السعودية، خصوصا أن الموج السياسي في المنطقة عاتٍ، وعالٍ جدا.

[email protected]