أجمل التاريخ كان غدا!!

TT

هل تشعر بانكسار ما؟ غدا نفتح أولى صفحات العام الجديد ودائما ما تولد لدينا أسباب للتفاؤل، فإذا لم نجدها نخترعها. فهل من الممكن أن يتحول الانكسار إلى انتصار. لو ألقينا نظرة على مصر التي احتلت المساحة الأكبر من التقلبات السياسية سنجد أننا نعيش في مرحلة «ترانزيت» بين ثورة واستقرار. الشارع منقسم والأمر ليس له علاقة بأغلبية عددية أقرت الدستور بنسبة تقترب من ثلثي الأصوات، هناك ولا شك خيبة أمل تعيشها كل الأطياف السياسية بما فيها تيار الإسلام السياسي بجناحيه الإخوان والسلفيين الذي يتجرع نصرا له مذاق الهزيمة. فهو يمد يده أحيانا إلى الجميع ولكن يده لا تجد ترحيبا لأنها لا تزال تمسك بما تعتقد أنها أقرته على الأرض.

العالم الواقعي الذي يتم تكوينه بإصدار قرارات رئاسية تجعل كل الألوان إخوانية يتناقض مع العالم الافتراضي الفضائي الذي في أغلبه يرفض هذا الواقع. عندما وجدوا أن الفضاء هو الخبز اليومي للناس قرروا البدء بالخطة رقم «1» محاصرة مدينة الإعلام بالقوة من خلال تنظيم «حازمون»، الذي ينتمي إلى الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، وتوعدوا أغلب مقدمي البرامج بالضرب والسحل. بعد ذلك انتقلوا للخطة رقم «2» وهي أن تلعب الفضائيات التابعة لهم دورها المزدوج في تعضيد د. مرسي ونستمع إلى قصائد مديح تضعه في مصاف الأنبياء الملهمين وفي نفس الوقت يهاجمون الآخرين باسم الدفاع عن الإسلام بأفظع الشتائم التي تجاوزت كل القواميس المتعارف عليها، والأدهى أنهم يعتبرونها واجبا شرعيا.

ما عشناه في 2012 أيضا على المستوى الفني والثقافي كان له نفس المذاق «الملح والسكر»، حتى إن أحد الشيوخ طالب بمليونية أطلق عليها «مواجهة القذارة الفنية» ورد عليه الفنانون بمظاهرة أخرى للدفاع عن حرية التعبير. صحيح أن الشيخ تراجع في اللحظات الأخيرة بعد أن تلقى تعليمات علوية من التنظيم الذي ينتمي إليه وهذا ما يؤكد أن الأمر لا يتم عشوائيا ولكن هناك قيادة أعلى داخل تلك التجمعات تستطيع أن توقف حالة الانفلات وهي نفسها التي طلبت من أحد الدعاة الذي كان يرسل شتائمه إلى أحد المذيعين ويطالبه بارتداء نقاب أن يدعوه لتناول الغداء معه دون نقاب.

الفضاء الذي يشهد كل هذه التناقضات والصراعات هو نفسه الذي رأيناه يفرض نفسه على الحياة الفنية، الحصيلة السينمائية على سبيل المثال شهدت تراجعا على المستويين الكمي والكيفي. النجوم الذين استجاروا بالشاشة الصغيرة ولعبوا بطولة المسلسلات كانوا يبحثون عن مشاريع أكثر أمانا على المستوى الاقتصادي، وجه آخر من توابع تلك المرحلة هو أن تجد أغلب النجوم بل والمطربين توجهوا إلى تقديم البرامج وهم لا يملكون بالضرورة مقومات المذيع ولكن هذه النافذة هي المفتوحة أمامهم في تلك اللحظات العصيبة فاقتحموها ولكنها ستظل إقامة مؤقتة (ترانزيت).

الناس في نهاية الأمر تبحث عن الاستقرار، الثورة في مقياس الزمن لا تتجاوز لحظة وبعدها يبدأ المجتمع في الارتكان إلى النظام، ولهذا يسيطر في البداية القانون الثوري الذي يفرض نفسه على الجميع وبعدها تستقر الدولة على دستورها الدائم. ما تعيشه مصر وتونس وليبيا واليمن هي مرحلة مؤقتة بين الثورة ونظام يولد لا نزال نبحث عن خيوطه، الشعوب تعيش في مرحلة «ترانزيت» قبل أن تنتقل إلى الضفة الأخرى.

يقولون دائما خير الأمور الوسط، ولكني أراها في حياة الشعوب هي الشر بعينه لأنها لا تعني ثورة ولا استقرارا. ليس أمامنا سوى أن نفتح صفحة جديدة من التفاؤل في 2013، ونردد مع فيروز بشعر سعيد عقل وموسيقى عبد الوهاب «أجمل التاريخ كان غدا»!!