عندما خرجت شبه مطرود

TT

اليوم هو آخر يوم في سنة (2012) المحتضرة، وغدا هو أول يوم في سنة (2013) المولودة، فاللهم أعطنا من خيرها إن كان فيها خير، واكفنا شرها إن كان فيها شر، لأننا (ما احنا ناقصين)، ولا أدري هل سأكمل السنة القادمة وأنا متمتع بشبق الحياة، ومكتمل اللياقة العضوية، أم أذهب كما ذهبت (أم عمرو)، ومن يومها لم ترجع لا هي ولا حمارها كذلك!!

والاحتفالات بالسنة الجديدة كانت قديمة جدا، وأول من بدأها (الفراعنة) الذين وقتوها ببداية الفيضان، وكانوا في بداية كل عام يختارون أجمل البنات ويلبسونها أجمل الثياب ثم يقذفون بها في النيل ليشكروه على عطائه لهم، وأطلقوا على تلك البنت المسكينة لقب (عروس النيل)، واستمروا على هذا التقليد ولم يوقفه غير عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).

وحذا حذوهم (الإغريق)، وبدلا من أن يضحوا بعروس في النهر أو البحر كانوا يأتون بطفل لا يتجاوز عمره السنة الواحدة، ويضعونه في قفة من الخوص، ويحمله الإمبراطور على رأسه ويطوف به بين رعيته، واستمر هذا التقليد عدة سنوات، إلى أن (بال) أحد الأطفال يوما على رأس أحد الأباطرة فألغى ذلك التقليد.

المسلمون لا يحتفلون ببداية السنة الهجرية، وسبق لأحد (حاخامات) اليهود الذي يحسن التحدث بالعربية، عندما قرأ الآية الكريمة: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، أن قال: «لو أن هذه الآية نزلت على بني إسرائيل لبدأوا تاريخهم السنوي بها».

وإخواننا (الأمازيغ) يحتفلون ببداية السنة 12 - 23 يناير (كانون الثاني)، وسنتهم الحالية هي (2962).

والألمان يحتشد منهم في رأس كل سنة أكثر من مليون إنسان أمام بوابة برلين في جو مفعم بالتفاؤل، ولم يكسروا هذا التقليد إلا في السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، عندما دارت الدوائر على ألمانيا (الهتلرية).

أما في روسيا فهم يسمون ذلك اليوم بيوم (الصخب)، وذلك عندما تجري (الفودكا) عندهم أنهارا، وهم يعتبرون من ينام في تلك الليلة إنما هو إنسان (ضفدع) لا يستحق الحياة.

وأذكر في أول عام ذهبت فيه إلى إيطاليا وكنت لا أزال بدويا (بكرتونتي)، وكنت أسكن عند عائلة هناك، أن احتفلت العائلة مع أصدقائها بتلك المناسبة، وكنت أنا من ضمنهم (كالأطرش في الزفة)، وقبل أن تدق الساعة الثانية عشرة إذا بهم يطفئون الأنوار ثم يشعلونها ويتعانقون، وعبطت أول فتاة بجانبي مقتديا بالمثل القائل: «إذا كنت في روما فافعل مثلما يفعل الرومان».

إلى هنا وكل شيء (آخر السطا)، غير أنني لاحظت أن سيدة الدار فتحت النافذة الواسعة على مصراعيها، وكانت هناك كومة من الأطباق والأكواب وبعض الحاجيات القديمة، فأخذ الجميع يقذفون بها في الشارع، ولم أفطن أن ذلك تقليد عندهم، ولكي أدلي معهم بالدلاء تناولت (فازة) - أي مزهرية - وقذفت بها، وما راعني إلا سيدة الدار وهي تصيح بي: «NO، NO، NO»، غير أن يدي كانت أسرع.

ومن يومها حقدت عليّ تلك (السنيورة)، حيث إن تلك المزهرية كانت غالية الثمن وعزيزة عليها، وبعد عدة أيام عندما انتهى عقدي أردت أن أمدد سكني عندهم، غير أن تلك السيدة رفضت، وخرجت شبه مطرود.

[email protected]