الإعلام الخليجي وحكومة مرسي

TT

هل نتفهم قلق حكومات دول الخليج من اكتساح الإسلاميين للانتخابات الرئاسية والنيابية لفترة ما بعد الثورتين المصرية والتونسية، والخوف من تأثيره على الأوضاع في بلدانهم؟ الجواب نعم. هل الحل في مناوأة الحكومات الجديدة بطرق مباشرة وغير مباشرة، واستخدام الأذرع الإعلامية، وربما الاقتصادية، لمواجهة المد الإسلامي المتنامي كضربة استباقية قبل وصول التأثير إلى دول مستقرة ومزدهرة؟ الجواب لا. هل يوجد طريق آخر يستوعب المتغيرات على الساحة السياسية العربية بما يحفظ لدول الخليج استقرارها ويحافظ على علاقات طبيعية مع دول الثورات العربية؟ الجواب بكل تأكيد نعم. هل دول الخليج العربي نسيج مختلف عن الدول العربية التي قامت فيها الثورات العربية؟ الجواب: نعم، مهما قيل عن أمراضها ومشكلاتها.

نعم، من حق دول الخليج، شعوبا وحكومات، أن تقلق من المتغيرات على ساحة الثورات العربية، فظروفها لا تتطابق مع ظروف دول الثورات العربية، وطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم بالتأكيد مختلفة. ودول الخليج، وإن عانت من تشابه في بعض الأعراض المرضية، فهي لا تعالج بنفس العملية الجراحية، بل ولا يكتب لها نفس الوصفة العلاجية، والشعوب الخليجية كما تؤمن بتحذير الأطباء من عدم تناول علاج موصوف لمريض آخر، حتى ولو تساويا في نفس الأعراض، فهي أيضا ترفض تعميم «وصفة الثورات» على بقية دول الخليج، هذه قناعات أغلبية شعوب الدول الخليجية، فالأمن والاستقرار صارا غاليين ثمينين في نظر الخليجيين، بعد أن أدركت هذه الشعوب أن ثمن الثورات فادح وذو خطورة بالغة، من خلال ما تشاهده في سوريا، وشاهدته من أوضاع أمنية هشة وضعف في الحكومة المركزية في كل من تونس وليبيا وحتى اليمن، وهذا يحتم على الدول التي قامت فيها الثورات والحركات السياسية، أيا كان توجهها، أن تضعه في الاعتبار. يجب أن يدركوا أنهم وإن لاحظوا في بعض الشعوب الخليجية حراكا نحو الإصلاح ورغبة ملحة نحو إحداث تغييرات تتواكب مع المتغيرات الجديدة، فهي تغييرات وإصلاحات بالبصمة الخليجية التي تصلح البيت من الداخل بأقل قدر من الخسائر، ترميمات مهمة لكنها لا تستدعي تقويض المبنى وإعادة تشييده.

وفي الوقت نفسه، فإن على دول الخليج مواكبة المتغيرات السياسية مع الدول التي اندلعت فيها الثورات بشيء من العقلانية والواقعية، حتى وإن أتت بالإسلاميين للحكم. صحيح أن معظم الحكومات الخليجية من الناحية الرسمية تركت الباب مواربا مع هذه الدول، ولم يظهر على سطح سياساتها الخارجية ما يدل على «تكهرب» العلاقات الدبلوماسية معها، لكن لا يزال الإعلام في هذه الدول يدفع بطريقة واضحة نحو توتير هذه العلاقات في طريقة تعاطيه مع دول الثورات العربية، خاصة مع مصر، وهذا في تقديري ليس في صالح كل الأطراف، فالفترة التي تمر بها علاقات الدول الخليجية بمصر الآن فترة غضة و«صلصال» لين قابل للتشكيل، وهي فترة حرجة، لو أهملت وشكلتها الأصوات غير العاقلة لأصبح الصلصال ناشفا لا ينفع فيه إلا الكسر أو الإذابة.

والمزعج في الموضوع أن هناك أصواتا «شعبية وليست رسمية»، ولها ضجيج، اختارت، وبطريقة متشنجة، فتح أبواب الصراع مع حكومات دول الثورات، وهذه وإن سلمنا بأنه لا ثقل لها في ميزان السياسة، لكن المقلق هو الإعلام في بعض الدول الخليجية، الذي كان يجب عليه أن يكون عونا على تهدئة الأوضاع، وحتى لو لم يعجبهم وصول الإسلاميين للحكم، فليس الحل في الانحياز في الصراع بين الحكومات ومعارضتها، فالذي وصل إلى سدة الرئاسة وصل بطريقة ديمقراطية اعترف العالم بحيادية انتخاباتها ونزاهتها.

وإذا كان منطق السياسة يتطلب التعامل مع من يصل للسلطة حتى ولو بطريق الانقلاب، كما كان التعامل مع أنظمة صدام وحافظ والقذافي وعلي صالح وزين العابدين، التي نهج إعلام الدول الخليجية معها سياسة إعلامية محافظة تحرص على تنقية الأجواء معها، مع التحفظ على آيديولوجية حكامها، فمن باب أولى أن يستمر هذا النهج مع حكومات لم يصل رؤساؤها على ظهر دبابة، وإنما عبر صناديق الاقتراع. آن الأوان بعد أن صوتت أغلبية الشعب المصري مع الدستور، وبعد أن اتضح تهلهل المعارضة المصرية وعدم قدرتها على منازلة خصومها الإسلاميين حين يحتكم الجميع لأصوات الشعب، أن نعرف أن مصلحة الدول الخليجية وعلاقة حكوماتها الاستراتيجية بمصر تتطلب من إعلامها معايشة الواقع السياسي المصري كما هو وكما أراده شعبها، لا كما نريد، في أقل الأحوال نعامل الحكومة الجديدة المنتخبة شعبيا كما كنا نتعامل مع الحكومة التي ثار عليها شعبها.

[email protected]