صور عائلية

TT

جلس المغترب الصديق على الكرسي المجاور بعدما وضع أمامنا على الطاولة مجموعة الصور العائلية التي لا بد لضيف مثلي «قادم من البلاد»، أن يطلع عليها. ليست صوره هو وعائلته، جميعها صور الأهل. صور الافتخار: الوالد، رحمه الله، أمام سيارة «الكاديلاك» الطويلة، الفخمة، وهو يهم بالصعود إليها. الوالدة قادمة من الجهة الأخرى للانضمام إليه. «الكاديلاك» تملأ الصورة مثل الوطن العربي الكبير.

نقلب الصفحة، الوالد أمام مصنع. مصنعه طبعا، خلفه بضعة رجال بالغي الفرح بالتصور مع المعلم، معلمهم. حاسرون، أما هو فمعتمر قبعة عالية. في الطريق، سيارة «كاديلاك»، طويلة، بابها غير مفتوح، وواقفة في الانتظار. الوالدة غائبة عن هذه الصورة، لكنها تبدو فورا في الصورة التالية، تحمل حقيبة جلدية مذهبة، وترتدي معطفا من الفرو الصناعي، وعلى رأسها قبعة مائلة. إلى جانبها باسما، الوالد. خلفهما، شلالات نياغرا، في جانب الصورة، سيارة «الكاديلاك»، تنتظر، كما تنتظر الفرس صاحبها. في صمت.

صورة أخرى ويظهر السيجار. كان الوالد يحب السيجار الكوبي قبل الأزمة مع هافانا. هذه صورته بالسيجار الكوهيبا. وبالقبعة الرمادية العالية. وبالصدرية المخططة. في يد، السيجار، وفي جيب الصدرية اليد الأخرى. وابتسامة للمصور. على مسافة قليلة، «الكاديلاك». علامة النجاح.

يفتح المغترب العزيز «ألبوم» صور آخر. «هل مللت»؟ أعوذ بالله! الوالد والوالدة في حفل اجتماعي ضخم. لا حاجة للإشارة، لكنهما جالسان إلى طاولة الشرف. هذا رئيس الجمعية، وهذا نائب رئيس الجمعية، وهذا الرئيس السابق، وهذا العضو الفخري السابق، وهذا رئيس البلدية، والنساء زوجاتهم. الوالدة حقيبتها ظاهرة على الطاولة. «الكاديلاك» في الخارج.

الآن صور الأبناء أشقاء المغترب العزيز. في حفلات التخرج، وفي الأعراس، وفي المباريات الرياضية، وفي النزهات على العشب. إذا بدت سيارة فهي صغيرة. لا سيجار، لا قبعات عالية، لا حقائب مذهبة. لا دلائل على الإنجاز والانتصار. الجيل الثاني جاءته الأشياء عادية. لم يشعر أنه تجاوز أبناء عمه في المال، ولا أنه انتصر على فقره، ولا أنه معتز بـ«الكاديلاك» التي كان يشتهي رؤيتها يوم جاء مهاجرا.

قلت للمغترب العزيز إننا في البلد الأم أقل حظا. فلم نعلن الحرب على كوبا، ولذلك لا يزال السيجار الضخم يتقدم الذوات في كل مكان. و«الكاديلاك» بطل زمنها لأن حجمها قد صغر. ورئيس الجمعية حاضر ونائبه وسابقه والعتيدون، جميعا.