تأملات في 2013: عام الاستثمار في العلوم والرهان على تشيلي

TT

اليوم هو أول أيام العام الجديد، وأتمنى أن يكون عاما سعيدا على الجميع، وأن تعم البهجة والأمان والنجاح كل مكان. إن الاستثمار في المنظمات القائمة على العلوم سوف يشهد ازدهارا كبيرا في عام 2013، وسوف تظل بريطانيا ملاذا آمنا للاستثمارات، ولكنني هذه المرة أقترح إلقاء نظرة جادة على تشيلي.

ما الذي يرجح أن يحدث في عام 2013؟

في عام 1859، وقعت عاصفة شمسية ضخمة أحرقت أسلاك التلغراف في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، وقد ألف د. ستيوارت كلارك كتابا بعنوان «ملوك الشمس» (The Sun Kings) عن الفترة التي حدث فيها ذلك، حيث يقول إن «انفجار كارينغتون» كما يطلق على هذه العاصفة «كسا ثلثي سماء الأرض بشفق أحمر بلون الدم في الليلة التالية، وعطل حركة الملاحة والاتصالات العالمية تماما».

ولكن لماذا أتحدث عن هذا هنا؟ لقد بلغ النشاط الشمسي أعلى مستوى له على الإطلاق طوال النصف الثاني من القرن العشرين، وقد وصل الآن إلى أدنى مستوياته منذ قرن، غير أن د. كلارك يحذر من أن «تراجع متوسط مستويات النشاط الشمسي لا يعني أن الشمس منيعة من الانفجارات الكبيرة أو حتى الضخمة، بل إن انخفاض متوسط مستويات النشاط قد يعزز من احتمالات حدوث الانفجارات الضخمة». ويوضح د. كلارك: «ربما على غرار الزلازل، عندما تحدث انفجارات أو هزات مستمرة، فإن الطاقة تتبدد بصورة متساوية على مدار فترات زمنية طويلة، أما في فترات الهدوء، فإن تلك الطاقة قد تتراكم ثم تنطلق فجأة في انفجار هائل، إلا أن هذا يظل مجرد تكهن».

وعام 2013 هو العام الذي يتوقع أن تحدث فيه الذروة التالية في دورة النشاط الشمسي، ورغم أنه لا يمكننا التنبؤ بالانفجارات الفردية، فإن د. كلارك يؤكد أن أكبر الانفجارات غالبا ما يقع بعد فترة قصيرة من الذروة. وبالطبع إذا وقع «انفجار كارينغتون» قوي مرة أخرى، فمن الممكن أن يسبب حاليا مشكلات أكثر مما سببه في عام 1859. حينما كانت الاتصالات الكهربائية لا تزال تحبو. ويستطرد د. كلارك قائلا: «لا يوجد على الإطلاق سبب يدعو إلى الاعتقاد بأننا مقبلون على هرماغدون شمسية في عام 2013، ولكن عاجلا أما آجلا، ينبغي أن ننتظر حدوث انفجار كارينغتون آخر، وهذا هو ما يحاول العلماء في وكالة ناسا منعه».

إذن فهو أمر حقيقي وينبغي أن يجعلنا نشعر بالقلق، غير أن هناك تدابير وقائية يمكن اتخاذها، حيث يمكن فصل الأقمار الصناعية أثناء الانفجارات الكبيرة، وحماية شبكات الكهرباء والاتصالات من الإشعاع الكهرومغناطيسي، إلخ. وكما يقول د. روث بامفورد، وهو عالم فيزياء البلازما في «معمل راذرفورد أبلتون»: «إن الأحداث القصوى مثل انفجار كارينغتون الذي وقع عام 1859 تبلغ احتمالية حدوثها مرة واحدة في كل مائة عام، وهي تقريبا نفس احتمالية أن تهب عاصفة بحجم إعصار كاترينا على ولاية نيوأورليانز، ونيوأورليناز لم تقم ببناء دفاعاتها كي تتحمل الأحداث بالغة الضخامة ولكنها مستبعدة الحدوث. إن 100 عام ليست بالفترة الطويلة».

إلا أن هذا العالم الحديث يحتاج إلى علماء أكثر بكثير، ويعد هذا أحد المجالات التي تعمل فيها بريطانيا بجد كي تبني نفسها فيها، وهو أيضا مجال مفتوح أمام الاستثمارات. وقد استغل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون رسالته التي وجهها بمناسبة العام الجديد ليقول إن المملكة المتحدة «تسير في الاتجاه الصحيح»، مشيرا إلى أن الناس يمكنهم التطلع إلى عام 2013 بـ«واقعية وتفاؤل»، حيث كشف رئيس الوزراء عن زيادة أعداد الطلاب الذين يدرسون العلوم واللغات في المدارس الأكاديمية الجديدة، وتحسن نتائج الامتحانات عما كانت عليه في ظل السلطات التعليمية القديمة، مما يمنح القوى العاملة المستقبلية في بريطانيا ميزة هائلة.

وفي الخطاب الذي ألقاه يوم الاثنين الماضي، أبرز الرجل ما تحقق من تقدم حقيقي على صعيد تقليص العجز المالي في بريطانيا، وإصلاح نظام الرفاهية الاجتماعية، والارتقاء بمعايير المدارس، مؤكدا أن بريطانيا في كل القضايا الكبيرة التي تهمها تسير في الاتجاه الصحيح. وأضاف في موضع آخر من الخطاب: «بريطانيا اليوم في سباق عالمي من أجل النجاح. إنه سباق مع بلدان مثل الصين والهند وإندونيسيا، وهو سباق على وظائف وفرص المستقبل. عندما تكون لدينا معركة من أجل تغيير مدارسنا، فإننا نكون جاهزين ومستعدين لخوضها، لأن بلوغ تعليم على مستوى عالمي هو السبيل الوحيد الذي سيسير فيه أبناؤنا في هذا العالم».

وأشار كاميرون إلى أنه كان من المتوقع أن يكون العجز في العام الجديد أقل بمقدار الربع مما كان عليه عندما تولت الحكومة الائتلافية السلطة، وأن هناك ما يقرب من نصف مليون شخص إضافي حصلوا على عمل، وأنه تم افتتاح أكثر من ألف مدرسة أكاديمية جديدة. وصرح رئيس الوزراء بأن هناك زيادة في أعداد الطلاب الذين يدرسون العلوم واللغات في المدارس الأكاديمية الجديدة، وأن نتائج الامتحانات أعلى مما كانت عليه في عهد السلطات التعليمية القديمة.

والأكاديميات هي عبارة عن مدارس مستقلة تديرها الدولة، وتم إنشاؤها بمساعدة رعاة خارجيين، وذلك بهدف رفع مستوى المعايير المعمول بها عن طريق إحلالها محل المدارس الفاشلة التابعة للسلطات التعليمية التي تعاني من صعوبات. ويتعين على المدارس تدبير مبلغ مليوني جنيه إسترليني كي تتحول إلى أكاديمية، سواء من مؤسسات خاصة مثل الشركات التجارية أو الجماعات الدينية أو جماعات العمل التطوعي. كما يمكن للجامعات والكليات والمدارس ذات الأداء العالي أن تشارك هي الأخرى في إدارة تلك الأكاديميات.

وتتولى المؤسسة الخاصة تشغيل المدرسة خارج نطاق سيطرة السلطة التعليمية المحلية على التمويل، إلا أنها تخضع في إدارتها لكافة الاشتراطات الوطنية فيما يتعلق بالمناهج والمعايير. وهناك نحو 140 مدرسة إسلامية في بريطانيا، وهذا النموذج جيد في أنه يشرك القطاع التجاري، وبالتالي فإنه سيميل إلى التركيز على ما يحتاج إليه العمل التجاري من التلاميذ.

وقد بدأت أميركا اللاتينية في إثارة اهتمام الكثير من المستثمرين التجاريين، إلا أنها ليست كلها مناسبة للاستثمار طويل الأجل. وقد ذكر كاميرون أننا في سباق مع البلدان الناشئة، مركزا في حديثه على الشرق الأقصى، إلا أنني أود أن أضع أميركا الجنوبية تحت المجهر لبرهة قصيرة، فنظرا لأن حكومة تشيلي تعتبر بالفعل الرهان الأكثر أمانا بالنسبة للمستثمرين في الديون السيادية بأميركا اللاتينية، فقد نالت يوم الأربعاء الماضي استحسان وكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد آند بورز»، حيث تم رفع تصنيفها الائتماني طويل الأجل الخاص بالعملات الأجنبية إلى «AA -»، مما يضع هذه الدولة سريعة النمو التي تقع فوق جبال الإنديز ضمن مجموعة تحظى بالتقدير، كما يعطيها مكانة أعلى من جميع أقرانها في المنطقة.

ويرى المحللون في الأمم المتحدة أن تشيلي، التي تفيض بمواردها من النحاس، سوف تكون هذا العام والعام القادم أسرع الاقتصادات الكبرى نموا في أميركا اللاتينية باستثناء بيرو. وأعلنت شركة «ستاندرد آند بورز» في بيانها: «إن متانة الاقتصاد التشيلي تترسخ بصورة مستمرة، مما يزيد من قدرة الحكومة على انتهاج سياسات مغايرة لاتجاه الدورة الاقتصادية في مواجهة حالة من الركود الخارجي. وقد تمكنت الحكومة من تمرير برنامج إصلاح مالي في البرلمان لتمويل الزيادة في احتياجات الإنفاق على التعليم دون التأثير على هيكلها المالي. وقد رفعنا تصنيفاتنا طويلة الأجل للعملات الأجنبية والعملة المحلية بالنسبة لشيلي إلى AA - وAA+ على الترتيب. وهذه النظرة المستقرة تتوازن مع تحديات إدارة الزيادة في مطالب الإنفاق العام على التعليم والبرامج الاجتماعية الأخرى في إطار القواعد المالية. كذلك نتوقع أن تستمر الحكومة في تحقيق تقدم تدريجي فيما يتعلق بإصلاحات الاقتصاد الأصغر من أجل تعزيز القدرات التنافسية للاقتصاد على المدى البعيد».

وفي عام 2012. وقعت تشيلي والمملكة المتحدة اتفاقية تعاون علمي وتكنولوجي، وهذه الاتفاقية تسمح للعلماء من كلا الجانبين بالمشاركة في البرامج البحثية الخاصة بالجانب الآخر، كما تنص على تبادل الزيارات والخبرات والتدريب، بالإضافة إلى عقد المؤتمرات وورش العمل المشتركة، وإقامة شبكات علمية، وتبادل واقتسام المرافق والمعدات.

وفيما يلي مقارنة بين تصنيف تشيلي وتصنيف أقرانها الرئيسيين في المنطقة: البرازيل (BBB)، المكسيك (BBB)، بيرو (BBB)، كولومبيا (BBB - )، الإكوادور (B). خلاصة القول إن بريطانيا تنظر بنظرة إيجابية إلى عام 2013. وإن تشيلي تستحق الاستكشاف، وإن العلوم سوف تصبح أهم من أي وقت مضى.

* جون ديفي: أستاذ زائر في «كلية إدارة الأعمال» بجامعة «لندن متروبوليتان» رئيس مجلس إدارة شركة «ألترا كابيتال».