سنة الأمل؟

TT

انتهت سنة 2012 بحلاها المحدود ومرها الممدود، كانت سنة عجيبة وغريبة جدا بكل المعايير التي من الممكن أن تقاس بها. الاضطراب والقلق والخوف والشك كانت العلامات الأكثر بروزا والأهم في الاثني عشر شهرا الماضية. العالم عانى حالة غير مسبوقة من انعدام الرؤية الاقتصادية؛ بلدان عريقة أعلنت إفلاسها وأنظمة حكم سقطت كاملة وشركات عملاقة أغلقت أبوابها تماما. إنها صورة جديدة من المرحلة التالية التي آل إليها العالم وهي الانتقال من الفوضى الخلاقة إلى القلق الإبداعي! نعم في هذا المناخ المتوتر والرؤية الضبابية هناك من يجزم بوجود فرص ذهبية لتكوين ثروات وموارد استثنائية.

العالم العربي تحديدا يعتبر اليوم هو الأيقونة الحية للقلق الإبداعي هذا، فالصورة الإعلامية التي «تروج» عن العالم العربي بشكل متواصل ومستمر ومليء بالشحن والمبالغات وجلد الذات الغاية الواضحة منها إحداث مصارحة نقدية مع الذات ومراجعة كاملة وتامة للأعمال والأقوال والأفعال التي حدثت، وكل ذلك يبدو أنه غاية نبيلة وعظيمة وكريمة، ولكن مع مرور الوقت يبدو أن هذه المسألة تتعلق بشيء آخر هو تكريس صورة البلاد والمواطن المسلوبة إرادته والمغلوب على أمره والعاجز عن تدبير شأنه، وهي صورة شديدة الانهزامية والضعف والقنوط.

كل هذا المشهد الحزين انعكاسه مخيف على عقليات الشباب المعاصر والأجيال المقبلة وسيولد إحساسا قويا ومقنعا بانعدام الولاء والانتماء لأي كيان سواء كان وطنيا أو دينيا، وكل ذلك ما هو إلا مقدمة حزينة جدا لحال صعب ومعقد تعبر عنه الأيام الحالية بصورة مختلفة ومخيفة. وعليه يبدو واضحا أن التحدي الأعظم الذي يواجه المجتمعات العربية اليوم هو القدرة على صناعة الأمل بحق ومنطق وعقل وعدم بيع الوهم وتكريس المستحيل دوما. إنها المهمة الأصعب ولكنها أيضا المهمة الأهم.

صناعة الأمل لها متطلبات وأهمها الإحساس بقيمة العدل والمساواة ومعرفة الحقوق والالتزامات بشكل ينطبق على الجميع بلا استثناء. إنها ترجمة عملية ودقيقة وواقعية لفكرة العيش بأمان وكرامة. نفس الشعارات المعروفة والمطلوبة هي التي يرفعها جيل وراء جيل لأن الحاجة لا تزال قائمة ولكن ينخر في جسد هذا الطرح سرطان الظلم وفيروس الفساد وبكتيريا التفرقة وآفة العنصرية، إنها مجموعة الأمراض المجتمعية التي تفتك بالأمم والشعوب بشكل مدمر.

تحتفل البلدان والمجتمعات بالسنوات الجديدة وتتطلع بشكل إيجابي للمستقبل، وعلى المستوى الفردي يصنع الكثيرون سلسلة من الأهداف والأماني والآمال ويسعون لتحقيقها بشك دؤوب ومستمر ويتم مراجعة ما تحقق ونقد النواقص، وهذا هو الفرق بين المجتمعات الحية والمجتمعات الخاملة. سنة جديدة تأتي ومع الأسف يبدو أنها ستكون فرصة أخرى «ضائعة» كالتي قبلها لن تستغل بالشكل المطلوب وسيفقد العرب فرصة للتطوير والإصلاح وتحقيق التنمية ليستمروا قابعين في أسفل التصنيفات الأممية بين سائر أقطار الأرض.

تبدو هذه الكلمات هي الأخرى منجذبة نحو جلد الذات؛ الواقع مع الأسف الشديد محبط ولكن لا بد من الإبقاء على فرصة صناعة الأمل مهما كانت ضئيلة، فلم يبق أمامنا الكثير لنستلهم منه سوى الأمل.

كل عام وأنتم بخير.

[email protected]