المشي على حبل رفيع في العراق

TT

لا يوجد أي بلد يمكن أن يتطوع ليكون مكان تركيا فيما يتعلق بالعراق، فقد وجدت أنقرة نفسها تمشي فوق الحبال على عدة جبهات، حيث ساءت علاقات أنقرة مع الحكومة العراقية بسبب الاتفاقات النفطية التي أبرمتها تركيا مع حكومة إقليم كردستان العراق من دون موافقة بغداد، علاوة على الأساليب السياسية الطائفية التي يتبعها رئيس الوزراء نوري المالكي، إلا أن المالكي صرح مؤخرا بأن العراق يريد بداية جديدة مع تركيا، وقد جاءت هذه الانفراجة في أعقاب التكهنات بشأن نائب الرئيس السني الهارب طارق الهاشمي، الذي صدرت ضده 3 أحكام بالإعدام ولجأ إلى تركيا منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2011، حيث يقال إنه قد انتقل إلى قطر. كذلك فإن عدم سماح بغداد للطائرة التابعة لوزارة الطاقة التركية بالهبوط في مدينة أربيل مؤخرا كان من الممكن أن يؤدي هو الآخر إلى كثير من الدراما، إلا أن أنقرة توخت الحذر وقللت من أهمية هذا الحدث. ولكن مع ذلك، مهما كانت جدية المحاولات التي يبذلها كلا الجانبين لإبقاء التوترات القديمة تحت السيطرة، فسوف تظل هذه التوترات قائمة لبعض الوقت.

ومن الناحية الأخرى، فرغم العصر الذهبي الذي تشهده العلاقات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية مع حكومة إقليم كردستان العراق، فإن هذه العلاقة تظل علاقة معقدة، حيث تخشى تركيا قيام دولة كردية مستقلة، بل إن السلطات التركية لم تعترف حتى بالإدارة الموجودة في شمال العراق باسمها الرسمي وهو «حكومة إقليم كردستان العراق». وتزيد احتمالات قيام كيان سوري كردي شبه مستقل في شمال سوريا من هذه المخاوف القديمة، وما يزيد منها أكثر فأكثر هو المشكلة الكردية التي تعاني منها تركيا نفسها. فإذا لم تستجب تركيا لمطالب مواطنيها الأكراد، فسوف يكون لديهم حافز أكبر للمطالبة لأنفسهم بالاستقلال الذي تتمتع به الجاليات الكردية الأخرى، ومن المثير للسخرية بالفعل إلى حد ما - التصرف من منطلق الأخ الكبير لشمال العراق في ظل العجز عن حل قضية الأكراد المحلية.

وينحاز بارزاني إلى تركيا في صراعها مع حزب العمال الكردستاني، وكذلك فيما يتعلق بسوريا، حيث قام مؤخرا بمصالحة جماعات الأكراد المختلفة في سوريا وتمهيد الطريق لإقامة ائتلاف كردي موحد، وقد فعل هذا عن طريق إعلان رغبته في توحيد جميع الأكراد، ويعد هذا تذكيرا بتفرق المشكلة الكردية عبر الحدود، وكيف يقدم بارزاني نفسه على أنه زعيم جميع الأكراد، وهو لن يخاطر بفقدان تأثيره على الأكراد بأي ثمن.

دع جانبا جميع التعقيدات المحتملة مع بارزاني، وتخيل فقط أن حربا عربية - كردية قد اشتعلت. إن هذا سيضع أنقرة في موقف حرج، نظرا لأنه لن يكون في مقدورها الوقوف إلى جانب الأكراد ضد العرب، بما في ذلك السنة الذين يعيشون في المنطقة.

وفي إحدى حلقات مسلسل الرسوم المتحركة «توم آند جيري»، يجري الفأر توم خارج حافة هاوية ويستمر في الجري في الهواء إلى أن ينظر إلى أسفل، وفي اللحظة ذاتها التي يكتشف فيها أنه يقف في الهواء، يهوي إلى الأرض.

إن على تركيا أن تتقبل الواقع، وأن تتهيأ للسيناريوهات المستقبلية المحتملة، وربما يكون التوافق مع شمال العراق رسميا وحل قضية مواطنيها الأكراد بداية جيدة، فأنت لا يمكنك في الواقع أن تجري في الهواء، حتى إذا لم تنظر إلى أسفل.

* بالاتفاق مع صحيفة

«حرييت ديلي نيوز» التركية