لماذا غضب أردوغان من جامعة الشرق الأوسط؟

TT

مظاهرات الطلاب وإضراباتهم واعتصاماتهم في تركيا مشهود بها لهم. أحيانا كانت تصيب وتوصلهم إلى مطالبهم المحقة والعادلة، لكنها في أحيان كثيرة أخرى كانت تتركهم في مأزق مع جامعاتهم وأجهزة الأمن وفي انقسامات سياسية وعقائدية فيما بينهم تفتح الطريق أمام دخول لاعبين محليين وإقليميين على الخط يلعبون ورقتهم للوصول إلى غايات وتحقيق أهداف سياسية وأمنية في تركيا تمر من خلال تحركات هؤلاء الطلاب الذين غالبا ما دفعوا الثمن غاليا بمفردهم.

مشكلة تركيا مع طلابها ليست في نزولهم إلى الشوارع لإسماع صوتهم، بل في تحول هذا التحرك إلى مواجهات واشتباكات خدمت في معظم الأوقات المؤسسة العسكرية التركية التي كانت تتذرع بتحركاتهم الفوضوية الدموية لتحريك الدبابات والجنود في عملية انقلابية تكررت مشاهدها في البلاد بين عامي 1960 و1980.

تركيا تعيش منذ أشهر ظروفا طلابية مشابهة لمطلع الثمانينات. طلاب أكثر من جامعة يتعاركون ويتشاجرون لأكثر من سبب بينها العقائدية والسياسية. اليسار المتشدد في مواجهة اليمين المتشدد. طلاب محسوبون على حزب العمال الكردستاني أيضا لهم ما يقولونه حول مواصلة «تجريد» عبد الله أوجلان. جماعات مقربة إلى الإسلاميين أيضا تأخذ مكانها عند الضرورة في هذه المواجهات.

جامعة الشرق الأوسط ليست من أقدم الجامعات التركية، لكنها من أعرقها. فعرق المشرفين عليها رفعها إلى مستوى أهم الجامعات في العالم في العلوم التقنية والتطبيقية. طلابها أيضا هم دائما بين النخبة، ليس فقط في درجاتهم العلمية، بل في جرأتهم وصراحتهم وثقتهم بأنفسهم.

شرارة تكاد تحول كل هذه الإيجابيات التي تسجل في خانة الجامعة وتلامذتها إلى سلبيات ونواقص وعيوب في حياة وتاريخ هذا الصرح العلمي. رجب طيب أردوغان أراد المشاركة في تدشين القمر الصناعي «غوكتورك 2» الذي أشرف عليه مركز الأبحاث الوطنية فاحتشد مئات الطلاب يهتفون ضده ويحاولون عرقلة دخوله إلى الحرم الجامعي عبر إشعال الإطارات وقطع الطرقات على مرأى ومسمع أكثر من ألفي رجل شرطة. تأزم الوضع وتحول التدافع والصراخ إلى اشتباكات بالأيدي والعصي والحجارة مقابل الغاز المسيل للدموع والهراوات. رئيس الحكومة حمل الجامعة وطلابها المسؤولية ورئيسها وقال إنه لا ذريعة لأحد حين نرى مئات رجال الأمن يلجأون إلى كل هذه الشدة والقمع مدعوما بأصوات سياسية وأكاديمية تقول، إن محاولة عسكرة الجامعة وقطع الطريق على حريات الرأي والتعبير هي التي أدت إلى هذا الانفجار.

تركيا تعيش منذ أسبوع انقسامات أكاديمية طلابية تحولت إلى مواجهات حزبية سياسية إعلامية. بيانات تأييد تتطاير، وبيانات تنديد تحاول إسقاطها والاصطفافات تتوسع رقعتها. جامعات انتقدت أساليب طلاب جامعة الشرق الأوسط ودعم رئاستها لهم الذي يحمل المزيد من التوتر الأمني والسياسي وأن تفوق طلابها العلمي لن يعطيهم الحق للنزول إلى الشوارع ورمي رجال الشرطة بزجاجات المولوتوف.

أردوغان الذي شن حربه الضروس على الطلاب والكادر الأكاديمي في الجامعة متسائلا: كيف وصلت الأمور إلى هذه النقطة؟! ملثمون ينزلون إلى الطرقات بالمولوتوف ونحمل نحن مسؤولية استفزازهم ويطلب إلينا التساهل مع جامعة تحتل مرتبة علمية عالمية، فهل يعطيها هذا الحق لتتعامل مع رئيس الوزراء بهذه الطريقة؟!

رئيس جامعة الشرق الأوسط طلب لقاء أردوغان والرئيس عبد الله غل على عجل لشرح موقفه ويبدو أن هدنة تظهر إلى العلن، لكن البعض مصر على ضرورة التعامل مع الجامعة بصرامة بعدما قال إنها تكاد تتحول إلى بؤر للتوتر والفتنة وتهديد استقرار تركيا.

من أشعل الفتيل؟ ولماذا فجر أردوغان غضبه على هذا النحو؟

هل هي محاولة لإعادة تركيا إلى ما قبل عام 1980 عندما كان يتساقط يوميا العشرات بين قتلى وجرحى في مواجهات حزبية وعقائدية وطائفية حسمها الجيش على طريقته من خلال انقلاب عسكري نفذه تحت شعار الذود عن وحدة البلاد وأمنها؟ أم هي مؤامرة خارجية تستهدف حكومة العدالة والتنمية لإجبارها على تغيير مواقفها وسياساتها في الداخل والخارج، وتحديدا في موضوع الأزمة السورية ومسار العلاقات التركية - الإسرائيلية؟ أم هي حلقة جديدة من مخطط إضعاف الحكم وتفتيت وحدته وإفساح المجال أمام المعارضة للتحرك والاستفادة من هذه الأزمات علها تسجل بعض النقاط التي قد تحمل لها أمل الوصول إلى السلطة التي حرمت منها لسنوات طويلة.