دول مجلس التعاون الخليجي والتحديات الأمنية عام 2013

TT

نأمل أن يشهد عام 2013 إغلاق بعض هذه الملفات التي شهدها العام المنصرم الذي سبقه على صعيد تبعات الربيع العربي، ولكن من المتوقع حدوث تطورات في ملفات أخرى لا تقل خطورة، فالتحديات التي ستواجه دول الخليج العربية، تتطلب جهودا كبيرة للتعامل معها، وتستوجب مواقف خليجية موحدة لتجنب تأثيراتها. التطورات العربية خلال العامين الماضيين حملت الكثير من عدم الاستقرار، ومن ثم فنصيب دول المجلس في إعادة الاستقرار الإقليمي سيكون كبيرا ومكلفا، خاصة مع انكماش الدور الأميركي في المنطقة، وهذا ما أكدته أحداث الثورة السورية من الغياب الدولي، وتغليب صراع المصالح بين الدول الكبرى.

الملفات التي سيكون لها تأثيرات على الوضع الأمني والسياسي في دول الخليج خلال عام 2013، تتمثل في:

مواجهة ومعالجة آثار الربيع العربي التي ما زالت عميقة التأثير خاصة في البعد الاقتصادي، وكيفية التعامل مع الحكومات التي أفرزها الربيع العربي والتي تنتمي إلى تيار الإسلام السياسي.. هذه الحكومات قد لا تشكل تهديدا في الوقت الراهن على محيطها الخارجي؛ لكونها تعاني من ضغوط داخلية ومنشغلة في تثبيت مواقعها وتسعى للخروج من المأزق الاقتصادي الذي تواجهه، وهذا يعني أن تهديداتها لمحيطها ربما يكون مؤجلا. ففي يوليو (تموز) عام 1982، عقد هذا التنظيم أول اجتماع لـ«مجلس الشورى العالمي»، مما منح عمقا لطبيعة الحركة الدولية، والمرشد الأعلى للجماعة هو القائد الفعلي للتنظيم الدولي، وهو يتمتع ببيعة جميع أعضاء الجماعة؛ ولذا فإن مصدر القلق الخليجي يتمثل في مواجهة «مرشد جديد» ينافس مرشد الثورة الإيرانية، وزعيم «القاعدة»، لكن السؤال المحوري هو: إلى متى ستبقى الأنظمة الإخوانية التي وصلت إلى سدة الحكم ملتزمة بقواعد اللعبة الديمقراطية؟ وهل سيشهد عام 2013 انقلابات على الديمقراطية من جانب «الإخوان» باسم شرعية الله، أو من المعارضة باسم شرعية الشعب؟

إيران، من أهم الملفات الخليجية، فهناك ملف تدخل إيران في الشؤون الداخلية لدول المجلس، والتجارب تؤكد أن هذا الملف لن يشهد تطورا كبيرا خلال عام 2013، ولن تتنازل إيران عن رغبتها في التدخل في الشؤون الخليجية، وهذا ما ترفضه دول الخليج بإصرار. ويبقى ملفان ربما سيشهدان بعض الحراك سلبا أو إيجابا، وكلاهما يهم دول الخليج مباشرة، وهما:

الملف النووي الإيراني، خاصة تداعياته الاقتصادية في ظل الحصار الاقتصادي الذي تعانيه طهران، لذا فإن عام 2013 قد يشهد معاناة كبيرة للمواطن الإيراني، أو ربما يكون العام الذي ستقدم فيه طهران تنازلات لتخفيف العقوبات؛ فمن المحتمل أن تحاول إيران التوصل إلى تسوية الخلافات التقنية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي حالة التوصل إلى تسوية فستكون في موقف أفضل لتسوية القضايا الأخرى ذات العلاقة بقضية الملف النووي.

إيران أدركت أن كلفة عسكرة برنامجها النووي باهظة، وهذا لا يعني تنازلها عن الحصول على القدرات النووية العسكرية، بل تأجيل هذا الهدف. مطلب إيران الأساسي هو ضمان جميع حقوقها التي نصت عليها اتفاقية حظر الانتشار النووي، ما يمنحها تقدما في التكنولوجيا النووية. لذا فإن بناء القدرات النووية سيكون ممكنا في إطار البرنامج السلمي غير المقيد، وهذا ما تسعى إليه طهران. وتقدمها في مجال التكنولوجيا النووية المدنية، وبصورة غير مقيدة، يثير مخاوف دول الخليج؛ حيث إن هدف إيران النهائي هو وضع البرنامج النووي السلمي في خدمة طموحاتها العسكرية، وإنها لن تتخلى نهائيا عن تطوير القدرات النووية العسكرية.

ملف العلاقات الإيرانية - الأميركية مصدر قلق آخر لدول الخليج، فالدعوات العلنية التي وجهتها إدارة أوباما إلى طهران للبدء في التفاوض المباشر، يشير إلى رغبة أميركية ملحة في التفاوض مع طهران، يقابلها تردد إيراني معلن، المؤكد أن تسوية الخلافات بين الجانبين تدعم الاستقرار الإقليمي، وهذا الأمر لا يشكل عنصرا سلبيا، لكن هناك شكوكا خليجية حول محتوى الاتفاق المحتمل بين واشنطن وطهران، خاصة في حالة الاستجابة الأميركية للمطالب الإيرانية، وتتمثل في اعتراف أميركي بمكانة إيران الإقليمية، باعتبارها دولة إقليمية كبرى، وهذا يعني قبول واشنطن بمبدأ التفوق الإيراني في المنطقة، فخلال العام الماضي أدلت القيادات الإيرانية بتصريحات تشير إلى أن إيران دولة كبرى، وهذا جزء من داء العظمة الذي يصيب الأنظمة الديكتاتورية. والمطالب الإيرانية سيتركز جزء منها على الأقل لانتزاع اعتراف أميركي بمصداقية داء العظمة.

الإدارة الأميركية لها حساباتها التي تخدم مصالحها، ولا يوجد اعتراض خليجي على ذلك، لكن الاعتراض على أن يكون الاتفاق الأميركي - الإيراني على حساب مصالح دول الخليج.

تهافت أميركا على دعوة إيران للتفاوض، وتكرار هذه الدعوات يثير شكوك دول الخليج، فعام 2013 سيكون العام الأول في فترة الرئاسة الثانية والأخيرة لأوباما. والسنوات الأربع المقبلة ستمثل الفرصة الأخيرة لإيران في التوصل إلى اتفاق مع واشنطن في وجود إدارة ديمقراطية معتدلة تبدو مستعدة لتفهم المطالب الإيرانية والاستجابة لها؛ لذا فإن القيادة الإيرانية تعلم أن إدارة أوباما تمثل فرصة ثمينة يجب عدم التفريط فيها للتوصل إلى تسوية للقضايا العالقة منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979.

الملف العراقي، هذا الملف يحمل أبعادا متعددة. وبسبب السياسة التي تتبعها حكومة المالكي ستشهد الأعوام المقبلة استمرار حالة عدم الاستقرار، فالحكومة الحالية فتحت جبهة مواجهة مع أبناء الطائفة السنية عبر استهداف رموزها السياسية واتهامهم بدعم النشاطات الإرهابية، وهذا ما حدث عبر استهداف نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، ووزير المالية رافع العيساوي، وقيادات سنية أخرى. كما أن هذه الحكومة تواجه تصعيدا مع الأكراد حول السيطرة على «المناطق المتنازع عليها»، وأهمها كركوك وأجزاء من محافظتي ديالى والموصل.

في حالة تطور الصراع الشيعي - السني، والصراع العربي - الكردي خلال عام 2013، فإن دول الخليج سيكون عليها تبني مواقف موحدة تجاه الصراعات متعددة الأطراف في العراق. كما أن هناك مخاوف من تطور العلاقات العراقية - الإيرانية بعد سقوط النظام السوري الحليف لإيران، وهذه المخاوف مبعثها احتمال استخدام إيران للنظام العراقي الموالي لها في دعم سياستها التدخلية في العالم العربي، للتعويض عن خسارتها نتيجة سقوط النظام السوري.

الملف السوري، اتخذت دول الخليج موقفا واضحا منذ بداية الثورة السورية في فبراير (شباط) 2011، مفاده تأييد الثورة، وتجنب حمامات الدم، ولكن جميع هذه الجهود لم تمنع ما حدث، وسيشهد عام 2013 النهاية الحتمية للنظام السوري، وانتصار الثورة، ولكن بثمن باهظ.

لدى دول الخليج مخاوف من مرحلة ما بعد الأسد، فهي تشعر بالقلق من تصاعد دور الجماعات الأصولية - الجهادية، التي ستكون لها مطالب ما بعد رحيل الأسد، ما قد يعيق بناء دولة حديثة على أسس ديمقراطية. وهناك مخاوف جدية من تفتت سوريا واستمرار الحرب الأهلية على أسس طائفية أو عرقية بعد رحيل الأسد.

الملف اليمني، النجاح الخليجي في التسوية بين الأطراف المتصارعة في اليمن، يجعلها تتحمل مسؤولية أخلاقية إلى جانب المصالح الأمنية والسياسية لإنجاح التجربة اليمنية في الإصلاح، وعام 2013 يفترض أن يشهد تجاوز المرحلة الانتقالية وتثبيت الإصلاحات وتأسيس حكم ديمقراطي في اليمن. الأدلة الحالية لا تنبئ عن ذلك رغم الدعم الإقليمي والدولي لعقد «مؤتمر الحوار الوطني» باعتباره الآلية التي ستقود إلى التسوية، فضمان نجاح المؤتمر سيكون مهمة شاقة وغير مؤكدة، لذلك فإن عدم الاستقرار في اليمن لن يشهد تحسنا جذريا خلال العام الجديد؛ فالمجموعات الإرهابية ما زالت تمارس نشاطاتها في أجزاء كثيرة من البلاد، والحركة الجنوبية الانفصالية صعدت ضغوطها وتبحث عن دعم خارجي لتحقيق أهدافها، وجماعة التمرد الحوثي في الشمال بسطت سيطرتها على أجزاء كبيرة واستغلت ظاهرة الاحتجاجات لتوسيع رقعتها، إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي تشكل الهاجس الأكبر.

* رئيس مركز الخليج للأبحاث في دبي