اقتصاد الجوع!

TT

الإنسان مجبول على أن يلبي نداء معدته، فهي الغريزة الأقوى لإشباع نهم الجوع، والتحدي الأكبر للبشرية عموما منذ أن وجد البشر على هذه الأرض هو تأمين موارد الغذاء بشكل دائم ومتواصل.

ومع تطور القدرات البشرية وزيادة مساحة رقعة العلم والإدراك والدراية وتطويع التقنية بشتى وسائلها لهذا الغرض بات من الممكن جدا تطوير الإنتاج وزيادة فعالية الحصاد منه بشكل جيد، وكانت الاستثمارات الهائلة في الهندسة الوراثية في النبات والحيوانات وتطوير هرمونات التغذية فيهما وكذلك تحسين نوعي في قدرات الري والسقاية بحيث يتم تحسين فعالية المياه المستخدمة لتغذية التربة والنبات. والآن مع ازدياد عدد سكان الأرض واندثار وانحسار الرقعة الزراعية بشكل مخيف تدريجيا بسبب ضغوطات الاحتياج السكاني والتحدي العمراني الهائل، أصبحت الكثير من الموارد الطبيعية من المواشي والنباتات مهددة بالانقراض وتبعات ذلك الأمر على الاحتياج البشري أقل ما يمكن أن توصف به هي كارثية.

منذ عقد من الزمان هاجت دول العالم الثالث وتمكنت من أن تنال نصرة الرأي العام في الدول الصناعية في تأييدها ضد الدول الكبرى التي ركزت في زراعة الذرة ليكون زيته كوقود بديل للسيارات ذات الاستهلاك العالي، واعتبر العالم الثالث أن الدول الصناعية بجشع وأنانية مفرطة يفضلون قضاء وإرضاء شهواتهم على حساب مجاعة واحتياج فقراء العالم. واليوم مع الارتفاع الكبير الملحوظ في درجات الحرارة بالكرة الأرضية، وهي الظاهرة المعروفة مناخيا وعلميا بالاحتباس الحراري، والمرشحة أن تستمر لفترة طويلة.. هذه الظاهرة ستؤثر بشكل رئيسي على سلعة القمح، وبدت بوادر هذه الأزمة تلمس في «أزمات» توريد من أوكرانيا وروسيا وكندا وهي دول من أهم منتجي القمح في العالم. والقمح سلعة أساسية وحيوية مهمة تدخل في إنتاج الخبز وكافة أنواع المعجنات وهي وجبة أساسية في معظم دول العالم بلا استثناء، وهي مادة جوهرية على مائدة الطعام في الوجبات الرئيسية الثلاث.

السنة «الخطيرة» لإنتاج القمح من المرجح أن تكون في عام 2050، حينها سيكون «حزام القمح العالمي» المكون من المناطق الزراعية في أميركا وكندا وشمال الصين وروسيا وأستراليا في خطر.

الذرة شهدت معدلات هبوط حادة جدا هي الأخرى في عام 2012 وكل ذلك بدا أن له أثرا مهما جدا على أسعار السلع الغذائية الرئيسية. الشعير يأتي هو أيضا كسلعة عليها ضغوط مهولة ومعدلاتها السعرية في ارتفاع مطرد. وطبعا هناك سلع ومواد أخرى ستدخل دائرة الخطر الكبير والمهددة بالضغوط حتى الانقراض مثل القهوة المتأثرة بتغير مناخي وتغير في معدلات الأمطار والأعاصير، والفراولة التي تنمو في مناطق باردة عادة تتعرض لموجة حارة وبالتالي مهددة حتى أن محبي الشوكولاته سيحرمون منها لأن محصول الكاكاو وهو المادة الرئيسية التي تدخل في تكوين الشوكولاته، والتي تكثر في غانا وساحل العاج، مهددة جدا بالتغير المناخي الحاد ومعدلات الأمطار.

حتى الأسماك تتعرض للخطر فتطال أسماك التونة والسلمون تغيرات في الحرارة ومعدلاتها.

لم يعد مصطلح الأمن الغذائي مسمى ترفيهيا ولكنه حقيقة وواقع ولا يستدل على ذلك بأكثر من التغيرات الحاصلة في العرض والطلب، والمسألة مرشحة لأن تزداد سوءا وستكون عبئا اقتصاديا مهولا على الحكومات والشعوب لأنها ستتخطى التضخم التسعيري إلى مبدأ التسعير القسري.

استعدوا لاقتصاد الجوع!