ابتسم أنت في عام 2013

TT

نجح اللبنانيون العام الماضي في امتحان كبح التفجير الشامل. استطاعت حكومة نجيب ميقاتي - بفضل دهاء الرجل واللعب على قطعتي الشطرنج اللبنانية والدولية - فكفكة ألغام متفرقة زرعت على امتداد البلاد وعرضها، بدءا من وادي خالد شمالا، حيث يدخل آلاف النازحين السوريين، وصولا إلى الجنوب حيث ثمة من يريد العبث ويحاول إطلاق الصواريخ على إسرائيل، مرورا بكل المناطق: البقاع، وبيروت وعكار، حيث تفجرت اشتباكات مسلحة متقطعة. لبنان لم يدخل حربا فعلية العام الماضي، لكنه لم يعش استقرارا حقيقيا. لم يحقق تقدما، لكن بقيت خسارته محدودة نسبة لما كان يمكن أن يكون، لو أفلت زمام الاقتتال المسلح على غاربه.

العام الجديد، ليس سوى امتداد لرحلة درء شظايا المحيط المتفجر، وفك ألغام موقوتة وخطرة، على نجيب ميقاتي أن يكملها أو يترك لغيره مهمة القيام بها. وهو ما قد يفعله، على الأرجح، إن ارتأى أن استقالته قد تخدم مصلحته الانتخابية. إنما، بصرف النظر عن طبيعة توجه الحكومة التي ستدير لبنان، فإن الوضع السوري الذي يقترب من الجحيم - بحسب الأخضر الإبراهيمي - سيفرض على من يتسلم مهمة إدارة الوضع، مواصلة سياسة «النأي بالنفس»، لتجنيب البلد الصغير الغرق الكلي في مستنقع الجيران، باعتراف رئيس الوزراء الأسبق، فؤاد السنيورة وآخرين من فريق «14 آذار».

التحضير للانتخابات التي يفترض أن تجري مطلع الصيف المقبل بدأت. حسابات الأفرقاء على اختلاف مشاربهم، من اليوم لن يكون هدفها سوى ربح أكبر عدد ممكن من مقاعد المجلس النيابي. وهو ما قد يتزامن مع معركة الحسم الكبرى في دمشق، إذا ما استمرت الاشتباكات على وتيرتها الدموية في سوريا، وتدفق ما يقارب مليون نازح سوري إضافي إلى لبنان، تبعا لتقديرات أولية، في حال لم يتم التوصل إلى أي تسوية. وهذا هو المرجح في ظل الخلاف الدولي والتقاعس الأميركي، طمعا بمزيد من الدمار والانهيار في سوريا، على غرار ما رسم وطبق في العراق.

لبنان على شفير هاوية منذ بدأت الثورة السورية، وازداد الوضع خطورة مع تحول الثورة إلى اقتتال أهلي ومجازر. تحييد لبنان عنوان جميل، معناه عدم اتخاذ مواقف في المحافل الدولية ضد النظام السوري، ومحاسبة كل من يقبض عليه متلبسا بالتورط في ما يجري في سوريا، مع أي من الطرفين المتصارعين. أما من لا يتم إلقاء القبض عليهم - وهؤلاء يتزايد عددهم - فهم مستمرون في توريط لبنان بوحول معجونة بالدم.

الأشهر الستة المقبلة لن تكون سهلة على اللبنانيين. ثمة جهات، داخلية وخارجية، ستستغل الوضع السوري، لتستفيد انتخابيا. هناك من هو على استعداد لسفك دماء كثيرة، وإشعال معارك كثيرة، من أجل الفوز بكرسي أو حتى نصف مقعد. ثمة أموال ستضخ لتكبير أحجام، وتقزيم أخرى. المعركة لن تكون سهلة لأنها معتبرة - بطبيعة الحال - استكمالا للمشهد السوري الذي يأفل فيه عهد له توجهاته وتحالفاته وامتداداته اللبنانية المتجذرة. هذا يقرأ اليوم، من الأهمية القصوى التي تعطى لقانون الانتخاب العتيد، شكله وتقسيمات دوائره، ولمن يمكن أن يعطي أرجحية الربح والخسارة. كل فريق أجرى دراساته سلفا، شركات الإحصاء والتقدير الانتخابي نشطت منذ العام الماضي، تتلمس توجهات الناخبين وأمزجتهم. الخلاف على قانون الانتخاب الذي بات يشبه المنازلة الحربية، لا يأتي من فراغ بل استنادا إلى معلومات واستطلاعات.

كانت سوريا تصنع السياسة في لبنان، وها هو لبنان ربما للمرة الأولى يجري انتخابات من دون سطوة النظام السوري الأخطبوطية. ملء الفراغ السوري السلطوي قد لا يكون ممكنا من دون أثمان باهظة، ما لم يتمتع الللبنانيون بشيء من الذكاء والاستقلالية عن الخارج.

وإذا كان النصف الأول من السنة الجديدة له ملامح وأخاديد بالإمكان استشفاف بعضها، فإن النصف الثاني مرهون إما بنتائج الانتخابات إن هي أجريت، أو بانعكاسات عدم إجرائها على الوضع السياسي والأمني. في كلتا الحالتين لم يتمكن بابا نويل من حمل الطمأنينة إلى اللبنانيين هذا العام. هي مجرد هدايا صغيرة ورمزية أتاهم بها تاركا لهم كثيرا من المفاجآت التي تعودوا فبركتها لأنفسهم، منها المفرقعات الملغومة، وأفلام الوسترن، وأصوات القذائف التي أحب مقاتلو باب التبانة وجبل محسن في طرابلس إسماع دويها للمواطنين في أول يوم من السنة، دلالة على أن المواطن هنا لا يعترف بطي سنة، واستقبال أخرى بروح جديدة. إنه الزمن العربي الذي يراوح مكانه ويشتت أبناءه في المنافي والمهاجر.