شيخ عصبي

TT

من المهم للمرء أن يدقق في عيوبه بين حين وآخر، وإن شق عليه ذلك أو كابر فيه أو تعامى عنه، فمن الحسن أن يجد من ينبهه إلى عيوبه، خصوصا إذا كان من أهل الدار.

قناة «الحافظ» المصرية الفضائية، قناة شهيرة وهي تعبر عن توجه «المشايخ» والدعاة المنسوبين للسلفية في بلاد الكنانة، وقد تقحمت عالم «الشو» السياسي بـ«غشامة» وحماسة وجرأة متناهية، ناقلة كلام المجالس المطلق والحر وغير المقيد بقيود المهنة إلى الشاشة، وبعد عدة عثرات ونكسات من قبل نجوم شاشتها ضد المختلفين مع الجماعات الأصولية يبدو أنها تعيد النظر فيما فعلت وتدرك أن لكل مقام مقال، وما يقال هنا لا يقال هناك، وأن للشاشة أدبا ولمخاطبة الجمهور لغة محددة.. وهو ما لم يكن يعرفه «المشايخ» الجدد على المجال، مهما نصحوا وقيل لهم، لولا التجربة والخطأ والخطايا.

النجم السلفي الفضائي المصري الشهير، عبد الله بدر، المعروف بمعاركه الشرسة مع المختلفين مع التيارات الأصولية، إخوانية أو سلفية، وأشهر تلك المعارك هجماته الرهيبة على الممثلة إلهام شاهين، تحدث هذه الأيام حديثا استثنائيا على قناة «الحافظ» قال فيه إنه قرر عدم الظهور على الفضائيات مرة أخرى، لأن قناة «الحافظ» التي يعمل فيها أبلغته أنه عصبي، معلنا على الهواء أن حلقته على فضائية «الحافظ» هي الأخيرة له.

وأضاف بدر في لقائه ببرنامج في الميزان على فضائية «الحافظ» قائلا: «سياسة القناة ترى أني عصبي وبانفعل زيادة.. محدش يطلع يقول إني فسخت العقد مع القناة، لأني من 2006 غير متعاقد. الناس شايفة إن الباطل هيروح. لما يروح هابقى أرجع للإعلام».

وأشار بدر، كما نشرت «العربية نت»، إلى أنه سوف يستكمل عمله عبر المساجد قائلا: «ليا مساجدي اللي هاقعد فيها وأتكلم فيها واللي بيقل أدبه مش هاسكت له».

هذا الموقف تأكيد للمؤكد، وتوضيح للواضح، وهو أن الإعلام ليس «سبهللا» أو فضاء مفتوحا بلا حدود، فمهما كانت جرأتك، فإن هناك مسؤولية تتحملها أنت كفرد، وتتحملها قبلك الوسيلة التي تنشر فيها نصك أو برنامجك أو صورتك.

كونك عصبي المزاج، أو حاد الطباع، أو حانقا على هذا أو ذاك، لأسباب مفهومة وأحيانا غير مفهومة، لا يعني أن تورط المتابعين لك ولوسيلتك في أزماتك الخاصة.

كما يسري هذا على الفضائيات والصحف والإذاعات والجهات المعروفة، فهو يسري من جهة أخلاقية أكثر على أصحاب الحسابات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت، «فيس بوك» أو «تويتر»، وغيرهما، فالصحيح هو الصحيح في كل مكان.

ترى هل يتعظ ويعتبر كثير ممن تتدروش في ضريح «الحرية» المطلقة، ومجدوا الحرية تمجيدا صوفيا، بهذا الموقف، ليدركوا بعض البديهيات التي يبدو أن البشر يحبون أن يدركوها عبر التجربة الفردية وليس عبر الاتعاظ من الآخرين.

من هذه البديهيات التي يحسن التذكير بها أن الكلمة مسؤولية، وأن حريتك تنتهي عند المساس بحرية الآخرين، وأن الكذب جريمة، وأن الشتم خطيئة، وأن الوثيقة على الادعاء ضرورة، وأن البينة على من ادعى، وأنه كما قال الأولون القدامى:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا جهالهم سادوا