قرار مصر في العام الجديد

TT

تعيش مصر حاليا حالة من الاضطراب، ويرى كثيرون ممن يطلق عليهم اسم خبراء أن الدين هو سبب ذلك، ولكن هذا ليس صحيحا، ولكن مصدر الاضطراب يتمثل في الفجوة الواسعة بين التوقعات بالتغيير السريع من قبل أولئك الذين قاموا بالثورة منذ عامين وبطء عملية بناء مجتمع جديد بالكامل.

ولم أر المصريين طوال حياتي وهم يعبرون عن مثل هذا الشعور العميق بأن وطنهم قد أصبح ملكهم، وهو ما يعد أحد أهم مكتسبات الثورة المصرية، كما أن الشعب المصري متعطش للديمقراطية الحقيقية بعد ما علمته الثورة كيفية المطالبة بحقوقه.

لقد صبر المصريون على حكم مبارك لمدة 30 عاما، ولكنهم لا يصبرون على التقدم الذي تم إحرازه حتى الآن لأنهم لن يقبلوا بالعيش بأقل من مستوى توقعاتهم. ويخشى الليبراليون والمحتجون من عودة الديكتاتورية مرة أخرى، وعلى الجانب الآخر فإن الإسلاميين الذين عانوا لعقود طويلة من الاعتقالات والتعذيب والعمل السري قد باتت لديهم شرعية الحكم ولا يريدون العودة إلى وضعهم السابق مرة أخرى.

وبالإضافة إلى هذا الانقسام السياسي، هناك الأغلبية الصامتة، أو ما يطلق عليه اسم «حزب الكنبة» الذين يجلسون وينتظرون - وسيصوتون حين تسنح لهم الفرصة - عودة الحياة الطبيعية مرة أخرى.

وقال مصري مسلم ينتمي للطبقة المتوسطة ويدعى أحمد مصطفى: «أنا لا أعترض على وجود رئيس ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، ولكنه يجب أن يحكم وفقا لقيمنا الإسلامية، لا وفق آيديولوجية جماعته. عندما يتحول الرئيس من مجرد أخ في الجماعة إلى قائد وطني، يمكننا حينئذ أن نحقق تقدما حقيقيا في مصر. والآن، لا بد أن نطرق الحديد وهو ساخن حتى نتمكن من تحقيق التغيير الذي نريده. لم نعد نخاف من الحكومة بعد الآن».

بعد الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) الماضي، حصل محمد مرسي على دعم الكثيرين من المصريين، بما في ذلك كثيرون ممن لم يصوتوا له، على أمل أن يضع البلاد على المسار الصحيح للتنمية. لقد أراد المصريون أن ينجح رئيسهم المنتخب في التعامل مع القضايا الحقيقية والمتعددة التي تواجه بلادهم مثل الركود الاقتصادي وإصلاح التعليم ونظام الرعاية الصحية. ولو كان الدين هو القوة التي تقسم البلاد، لما حصل الرئيس مرسي على هذا الدعم.

ومع ذلك، تصاعدت حدة المعارضة بسبب قرارات مرسي بالإقرار السريع للدستور وتقييد أحكام القضاء، ورد الإسلاميون المؤيدون للرئيس مرسي بتنظيم مسيرات تضم مئات الآلاف. في الحقيقة، لا يختلف تقسيم المجتمع على أساس إسلاميين وليبراليين وأغلبية صامتة كثيرا عما هو موجود في أعتى الديمقراطيات في العالم، ولكن الشيء الجديد والمختلف في مصر هو أن الخوف قد اختفى وحل محله إحساس بالقوة لتقرير مصير البلاد. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو الطريق الذي سنسير فيه في العام الجديد؟ أول وأهم شيء هو أننا بحاجة إلى حوار بين كل الأطراف، ولن يحدث ذلك قبل أن يشعر الشعب بأنه محمي من خلال الدستور والسلطة القضائية المستقلة. وثانيا، يتعين على الحكومة أن تختار بعض المشاريع الكبرى لإنجاز وعود مرسي الانتخابية وتنشيط الاقتصاد. أنا أؤمن بأهمية زيادة الإنتاجية، ولن يحدث هذا إلا من خلال تحسين التعليم، ووجود اقتصاد يعتمد على المعرفة في المقام الأول. ثالثا، يتعين على الجميع أن يقبل أن المصريين شعب متدين، وأن العلمانية، مثلها في ذلك مثل الدولة الدينية، لن تكون مناسبة لمصر، ولكن ما يمكن أن يكون مناسبا هو حكم يعتمد على القيم الإسلامية للأغلبية مع حماية حقوق الأقليات. وبعبارة أخرى، لن يكون هذا الشكل، مع وجود دستور مقبول وقائم على أساس حقوق الإنسان والحرية الدينية، مختلفا كثيرا عن الوضع في الولايات المتحدة، التي تستمد قيمها من المعتقدات المسيحية.

في الحقيقة، تتمتع مصر بإمكانات هائلة بسبب قوتها الكامنة في رأس مالها البشري، ولكن يتعين علينا أن نشدد قبضتنا على المستقبل الآن، ويجب أن يكون هذا هو قرار مصر في العام الجديد.

* أستاذ الكيمياء والفيزياء بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والحاصل على جائزة نوبل

في الكيمياء عام 1999

* خدمة «غلوبال فيو بوينت»