القضاء السعودي.. الصورة الناقصة

TT

نالت أجهزة سعودية كثيرة نصيبها من النقد والملاحظات، منها قطاعات حيوية ورئيسية مثل الصحة والتعليم والقضاء، وهي بطبيعة الحال أجهزة إدارية لها علاقة مباشرة بمصالح وحقوق المواطنين وجسر حيوي في العلاقة بين الدولة والمواطن، ونالت هذه الأجهزة نصيبها اللافت من المساحات النقدية الكبيرة واستعرضت فيها الاقتراحات والنقاط التطويرية والتجارب المختلفة، إلا أن ملف القضاء في السعودية كان دوما مثار حوار وجدل وبات مادة «سهلة» للاستهداف وتعميم بعض النقاط التي كان من الممكن أن تكون موجودة كقصور وسلبيات وأخطاء لتصيب الجهاز كله بكافة قطاعاته وجلّ العاملين فيه بلا أي استثناء.

وهذا نوع من التعميم «السهل» والخيار «المبسط» للتعامل مع أي نقد أو تحد تطويري.. فالجهاز القضائي بالسعودية في العموم يعمل وينتج، وهناك نماذج مهمة وناضجة وفعالة تسير المعاملات المعروضة عليها عبر السنوات الكثيرة وفي المناطق المختلفة وفي شتى المجالات والقضايا، وفي العموم هناك قبول وتعامل متطور وإيجابي لفكرة تطوير مرافئ القضاء بشتى فروعه التقليدية والمستحدثة وإدخال الأدوات والتقنية المساندة متى ما استدعت الحاجة لذلك.

وهذا النهج أدى لاستحداث محاكم متخصصة في قطاعات جديدة وكذلك استحداث هيئة الادعاء العام والتحقيق، وجميع هذه الجهات شهدت تطويرا في أدائها مع الوقت وتحسنا في الكفاءات البشرية المنضمة إليها وبات هناك تراكم معرفي وخبراتي يضاف لهذه القطاعات عبر الكفاءات البشرية العاملة فيها والمتعاملة معها، وهي مسألة يستشهد فيها وبها المتعاملون مع ديوان المظالم والمحاكم الشرعية وهيئة الادعاء والتحقيق والمحاكم المتخصصة الأخرى.

كثيرون باتت لديهم تجارب مهمة وإيجابية تفيد بأن هناك تطورا وتغيرا إيجابيا وتفاعلات بشرية مشرفة في هذه القطاعات هي التي تسير قضايا الناس بمختلف أشكالها اليوم، ولا بد من باب الإنصاف تسليط الضوء على الإيجابي من هذا الأمر حتى لا يكون التعميم بالمطلق، وبالتالي فمن باب الإنصاف للسعوديين أنفسهم التعامل مع هذا القطاع بشكل موضوعي وليس بالضرورة بالشكل العاطفي الذي هو قابل للتأجج والانفعال. اليوم هناك قضاة وخبراء قانون من السعودية يعملون ويتفاعلون مع أهم القضايا الشرعية والإدارية والقانونية والأممية، وهي جهود مهمة تتم وتحدث وتنجز خلف الكواليس ووراء المكاتب بعيدا عن الأضواء ولكنها في النهاية تتم، وتتم بنجاح وفاعلية، وهي مسألة لا تأخذ نصيبها من الضجيج والإثارة، ولكن من الظلم عدم الإشارة إليها.

في الندوات والمحاضرات والمحافل التي يتم فيها تداول الشأن السعودي يكون دوما من السهل التطرق إلى ملف القضاء السعودي واعتباره مادة سهلة للنيل منها، ولكن حقيقة الأمر أن المسألة ليست بهذه البساطة ولا من العدل أن يكون التعميم بتلك السهولة، وهناك نماذج وقصص نجاح وقرارات وأحكام مهمة كانت تكريسا وتحقيقا لمفهوم العدل والحق والسوية، وإذا كان هناك من قصور وأخطاء وتجاوزات فهذه مسألة يجب أن يتم التعامل معها دون الإساءة ولا التعميم المطلق، لأن هناك شواهد على الأرض، من أصحاب الشأن القانوني في البلاد ومن أهل الخبرة في هذا المجال، مما يؤكد أن هناك تطورا ملاحظا قد حدث وأن ذلك مع الأسف لا يلقى القدر الكافي من الذكر، وهذا لعمري قصور في توصيل الصورة بأكملها للجمهور الذي يستحق أن يعرف الحقيقة.

[email protected]