عنف يواجه الإعلام!

TT

أكدت منظمة مراسلون بلا حدود، ان العام المنصرم 2012، تضمن هجمات عنف وإرهاب طالت المشتغلين بالاعلام والمهتمين به ممن جرى تسميتهم بـ«المواطنين الصحافيين». حيث اصاب العنف والارهاب الموجه نحو الفئتين، ما يقرب ثلاثة آلاف شخص منهم في انحاء مختلفة من العالم، لكن ابرز واكثر العمليات اهمية، حدثت في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وبين دول هذه المنطقة احتلت سوريا المركز الاول والابرز بما اصاب المشتغلين بالاعلام والمواطنين الصحافيين من خسائر واضرار، تؤشر في محصلتها الى تدهور مستوى حرية التعبير، وانتهاك حق نشر المعلومات والاخبار وتبادلها.

لقد شملت عمليات العنف والارهاب في المستوى العالمي اعتقال واستجواب قرابة تسعمائة صحافي، وجرى الاعتداء باشكال مختلفة على قرابة الفين غيرهم، واختطف نحو اربعين، وتم اعتقال أكثر من مائة واربعين مدوناً ومواطناً صحافياً، وجرى حبس قرابة مائتي صحافي، إضافةً إلى فرار أكثر من سبعين صحافياً من بلادهم بسبب الظروف السياسيّة، وكلها عمليات لم تصل إلى مستوى القتل او الاعدام المباشر للاعلاميين والصحافيين المواطنين، وقد شمل ثمانية وثمانين من الاعلاميين، وسبعة واربعين مواطناً صحافياً، وهذه المحصلة في اجمالها، تمثل اخطر خسائر تصيب الاعلاميين والمهتمين بالاعلام منذ نحو عشرين سنة.

ورغم ان ثمة عوامل متعددة وقفت في خلفيات ما اصاب الاعلاميين والصحافيين المواطنين من عنف وارهاب، فان العنف والعنف المضاد والسياسات الرسمية، كانا البيئة الحاضنة بالدرجة الاولى لما حدث كما هو الحال في سوريا، الى جانب عوامل منها القمع السياسي المنظم كما في الصين وايران، وحالات الفوضى الشائعة وفق ما هو قائم في الصومال وباكستان.

ان المثال السوري فيما اصاب الاعلاميين والصحافيين كان الاشد قسوة وعنفاً مقارنة بما حدث في البلدان الاخرى. ففي سوريا سعت السلطات الى تقنين وضبط حركة الاعلاميين والصحافيين، شاملة بذلك المقيمين في البلد والراغبين في المجيء اليه من مختلف انحاء العالم، الامر الذي افسح المجال لوجود حراك صحافي واعلامي «غير شرعي» خارج رغبات وخطط السلطات، ومنه تغطيات للاحداث والتطورات لا تتوافق مع وجهات نظر السلطة ونظرتها للصراع القائم، ومنها عمليات عبور اعلاميين اجانب الى الاراضي السورية خارج المعابر الرسمية، وقابلت السلطات العمليات السابقة بأشد الاجراءات قسوة وعنفاً، شملت الاعتقال والسجن والطرد والقتل.

ولم تكن تلك الاجراءات هي الوحيدة التي اصابت الاعلاميين والصحافيين في سوريا، بل ان اجراءات تقارب ما قامت به السلطات، اصابت هؤلاء من قبل القوى المسلحة المضادة للنظام والثائرة عليه، خاصة ازاء اعلاميين وصحافيين سوريين يعملون في المؤسسات الاعلامية الرسمية او بصدد اجانب اعتبروا متعاملين مع السلطات السورية وأجهزتها الامنية والعسكرية، لكن محصلة هذه الاجراءات كانت اقل مما قامت به السلطات، وثمة التباسات احاطت بمصير عدد كبير من الاعلاميين والصحافيين ممن قتلوا او تم اختطافهم.

ان الهدف الرئيس لما اصاب الاعلاميين والصحافيين، كان الحد من نشر الاخبار والمعلومات ومنع تداولها بصورة حرة، وغالباً ما كانت الهوية المهنية او القيام بمهمة مهنية، وامتلاك بعض ادواتها مثل الكاميرا التلفزيونية او تصوير الاحداث على الهواتف الجوالة سبباً في توقيف الاشخاص وربما قتلهم، واغلب الذين اعتقلوا او قتلوا ارتبط ما اصابهم بواحدة او اكثر من الحالات السابقة، كما هو حال الصحافيين التركيين حميد جوشكون وآدم اوزكوسي اللذين احتجزهما الامن السوري لعدة اشهر، ومثل عديد من المواطنين الصحافيين وبينهم أحمد حمادة وعبد الهادي القوملي اللذين قتلا في بابا عمرو بحمص وحسن أحمد أزهري الذي قتل تحت التعذيب لدى المخابرات العسكرية، وهناك من قتل او اعتقل منهم في خلال وجودهم على مسرح العمليات العسكرية مثل الصحافي الفرنسي رومي أوشليك، والصحافية الاميركية ماري كلفين. لكن ثمة آخرين كانوا خارج الاسباب السابقة جميعها كما حدث لفريق عمل المركز السوري لحرية الاعلام ورئيسه مازن درويش الذين اعتقلوا بسبب متابعتهم لواقع الاعلام وتسجيل الانتهاكات الحاصلة ضده فحسب.

واستمرار العنف متصاعداً ضد الاعلاميين والصحافيين المواطنين في سوريا للعام التالي للتوالي، وفي غيرها من بلدان العالم، انما يعني ان الجهود التي بذلتها المنظمات الحقوقية والنقابية لم تثمر في منع تواصل عمليات الاعتقال والسجن والطرد والقتل التي تصيب الاعلاميين والمواطنين الصحافيين، وتتجاوزهم لتصيب غيرهم في تلك البلدان ما يحدث في سوريا، الامر الذي يفرض على تلك المنظمات وعلى اوساط الرأي العام في العالم التوجه الى اساليب وطرق جديدة هدفها حماية الاعلاميين من العنف الذي يصيبهم وضمان حقهم في الوصول الى المعلومات والاخبار ونقلها الى عالم له كل الحق، ان يعرف ما يجري في جنباته.