أقرئوه السلام كلما دخلتم وخرجتم

TT

موضوعنا اليوم قد يزكم الأنوف بعض الشيء، ولكن لا بأس من ذلك خصوصا إذا أدركنا أن الكرة الأرضية ليست مجرد مزرعة للورود.

والموضوع برمته يدور حول الجدلية المحرجة بين الإنسان وما يخرج منه بشكل مفروض وطبيعي، وعندما كان الإنسان يتنقل في الصحاري والغابات لم تكن هناك أي مشكلة محرجة، لكن المشكلة المحرجة والمقرفة والممرضة هي عندما بدأ يستوطن ويبني البيوت، ويكون القرى والمدن، عندها بدأت المعاناة الحقيقية.

طبعا عرفتم أنني أريد أن أتحدث عن التاريخ المجيد لما يسمى (بالحمام)، وهو ما يطلق عليه الإنجليز (W.C)، وأطلق عليه العرب عدة مسميات من بينها: بيت الأدب، أو بيت الطهارة، أو بيت الخلاء، أو بيت الماء، أو بيت الراحة.. وهذا الاسم الأخير من وجهة نظري هو الأبلغ والأصدق.

والحمام ينقسم إلى قسمين: قسم للاستحمام والآخر لقضاء الحاجة.

بالنسبة للقسم الأول فإشكاليته أسهل بكثير، وتذكر لنا كتب التاريخ أن الرومان عرفوا ذلك قبل الميلاد، وكانت بعض الحمامات تتسع لـ2500 شخص في آن واحد، رجالا ونساء وأطفالا، وهناك رسوم ونقوش دلت على ذلك، وبعد أن دخل الدين المسيحي إلى تلك البلاد انعزل الرجال عن النساء.

أما عن القسم الثاني فهو (الشق والبعج) مثلما يقول العامة، حيث إن مشكلته شبه مستعصية وجالبة للأمراض المميتة إلى درجة أن المحكمة الملكية في بريطانيا عام 1588، نتيجة لتلك العشوائية المزعجة أصدرت التحذير التالي: «لا يسمح لأي كان بأن يقوم قبل أو أثناء أو بعد الوجبات في الصباح أو المساء بملء زوايا الأدراج أو الممرات أو ما وراء الأبواب بالبول والقاذورات».

وأوردت الصحف الفرنسية في عام 1700 ما ملخصه: «لقد أصبحت باريس مرعبة جراء رائحة الشوارع الكريهة إلى حد أنها يصعب السير فيها، ومعظم الناس تصدر عنهم روائح نتنة مقيتة لا تحتمل».

وقد وصل ذلك إلى درجة أن قصر (فرساي) حتى القرن السابع عشر لم تكن فيه أي تمديدات صحية، وهو القصر الذي كان يسكنه أكثر من ألف نبيل ونبيلة، وأربعة آلاف خادم وخادمة، رغم قربه من مصادر المياه، ولم يكونوا جميعهم يستخدمون سوى ما يسمى (بالقصريات)، وكل مساء يخرج الخدم محملين بها لتفريغها في الخارج.

ولا شك أن الإنجليزي (ألكسندر كومينغ) يستحق الدخول للجنة، حيث إنه كان أول من اخترع (السيفون) الذي تطور في ما بعد.

وقد سبق لي أن ذكرت عن ذلك الاستبيان الذي وضع الحمام الحديث على رأس أعظم مائة اختراع في تاريخ البشرية. وهذه في ظني نتيجة عادلة، فلولاه لفتكت الأمراض ببني البشر، ولولاه ما كبرت المدن وتوسعت، ولولاه ما عاش الإنسان في راحة وعدم إحراج.

إذن على كل واحد منكم أن يقرئ حمامه السلام إعجابا واحتراما كلما دخله أو خرج منه، وهذا هو ما أفعله أنا شخصيا مع ابتسامة مستبشرة، وبعدها أشعر بأن الدنيا ما زالت بخير.

[email protected]