تحقيق النمو بحاجة إلى مهارات مرتبطة بتنظيم المشاريع المبتكرة

TT

نتيجة التغيرات الكمية التي حدثت منذ الأزمة العالمية، ستكون الدول التي يزداد احتمال تحقيقها النجاح في المستقبل هي تلك التي تبلي بلاء حسنا في تنمية اقتصاد قائم على المشاريع المبتكرة التي تمكّن عددا ضخما من أصحاب المشاريع الجديدة من دخول السوق. سيكون للأول قدر من التأثير على نجاح الثاني.

ونعود الآن إلى وضع مفضل قديم: نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تعتبر بيئة خصبة يمكن أن يزدهر فيها أصحاب مشاريع رائدة جدد. سوف تجلب السنوات القليلة المقبلة النجاح لتلك الاقتصادات المصاحبة لها، لكن الأعداد الضخمة التي تكتفي بمجرد الحديث سيقع عليها الضرر بشكل متزايد. ما زالت هذه الرؤية المضيئة نجما بعيدا في عنان السماء بالنسبة لعدد كبير من الدول.

هناك عدة برامج ممتازة في دول مجلس التعاون الخليجي. على سبيل المثال، هناك برنامج إنجاز - الإمارات العربية المتحدة لتنظيم المشاريع الرائدة ومهارات العمل، يعرف الشباب بمفاهيم العمل الحر، في حين يدرس مهارات حيوية ومتعلقة بحل المشكلات ويربطها بالمتطوعين في المجال لتطوير أفكار عمل. وفي السعودية، صدق مجلس الشورى على إنشاء هيئة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في السعودية. وسوف أشير إلى بعض الأفكار من بريطانيا هنا كمثال على كيفية تطور الأفكار.

وعلى الرغم من أنه قد ولد في ألمانيا، فإن هانس يورغين أيزنك كان عالم نفس أمضى حياته المهنية في بريطانيا العظمى. تساءل أيزنك، الذي يعتبر واحدا من بين أبرز 100 عالم نفس في القرن العشرين، حول ما إذا كان فهم الناس لأبراجهم ربما يؤثر على مدى نجاح شخصيتهم في إبراز الاتجاهات المرتبطة بها. فقط هؤلاء الأفراد الذين كانوا يعرفون أبراجهم هم من أظهروا السمات الشخصية التي تنبأت بها. وفي دراسة أخرى، دعا عالم النفس ريتشارد وايزمان مجموعة من الطلاب لتناول مشروبات. ومع نهاية الليلة، فشل الجميع في اجتياز مجموعة من الفحوص للتأكد من اليقظة. كان الأمر الذي لم يعرفه الطلاب هو أن بعضا منهم قد قدمت له مشروبات غير كحولية.

إذن، ما السمات التي يشترك فيها أصحاب المشاريع الرائدة مع قراء الأبراج والطلاب «الثملين»؟ في كلتا الدراستين، كانت المعتقدات كافية لإقناع المشاركين بالتصرف بطريقة معينة. هل يمكن أن ينطبق الأمر نفسه على أصحاب المشاريع الرائدة؟ هل هناك أي اتجاهات تبين أنها تؤثر على أداء أصحاب المشاريع الرائدة، وفي تلك الحال، أيها أقوى تأثيرا؟

على الرغم من أنه من الصعب التعميم عبر الدول وأنواع العمل، فإن سمتين ثابتتين هما الكفاءة الذاتية - الإيمان بقدرة المرء على النجاح، والاجتهاد - ترتبطان بالتنظيم الذاتي والعمل الجاد الدؤوب. ليس من قبيل المصادفة أن تشكل هاتان السمتان أهمية، وفي حقيقة الأمر، ترتبطان ببعضهما البعض. والسؤال هو هل يعتبر العمل الجاد أو الابتكار هو المفتاح لإنتاج صاحب مشروع رائد ناجح؟ أم يتعلق الأمر برمته بشيء آخر؟

وتشير الدراسات النفسية إلى أن النوازع النفسية لأصحاب المشاريع الرائدة من الرجال والسيدات متشابهة أكثر منها مختلفة. وهذا يشكل أهمية في البيئات التي تتمتع فيها النساء الآن فقط بمكانة بارزة في القوة العاملة. وتشير مجموعة متزايدة من البحوث إلى أن سلوك تنظيم المشاريع الرائدة يعتمد على عوامل اجتماعية واقتصادية. على سبيل المثال، تظهر الدولة التي توجد بها أسواق صحية وعمالة متنوعة معدلا لصاحبات المشاريع الرائدة اللائي تحركهن الفرص، ويفوق معدل هؤلاء اللائي تحركهن الضرورة.

لقد توصلت الدراسات البحثية التي تستكشف الخصائص والسمات الشخصية لأصحاب المشاريع الرائدة والتأثيرات الواقعة عليهم إلى استنتاجات مختلفة. وعلى الرغم من ذلك، فإن السواد الأعظم منهم يتفق على سمات معينة متوافقة ذات صلة بأصحاب المشاريع الرائدة وتأثيرات بيئية. ومع أن السمات المرتبطة بتنظيم المشاريع الرائدة مطلوبة، فإن سلوكيات تنظيم المشاريع الرائدة تتسم بالديناميكية بالمثل وتتأثر بعوامل بيئية.

وفي استطلاع رأي لأصحاب مشاريع رائدة بريطانيين قبل بضعة أعوام، كان «المال» هو رابع أقوى حافز لبدء مشروع جديد، بعد «الرغبة في العمل بشكل خاص» و«الولع بالوظيفة التي يزاولونها» و«تحويل الأفكار إلى حقيقة».

وينبغي أن يدرك التعليم المهارات الأساسية المرتبطة بتنظيم المشاريع الرائدة التي يحتاجها العمل في القرن الحادي والعشرين ويوفرها. إن ما يجعل تعليم تنظيم المشاريع الرائدة مميزا هو تركيزه على اغتنام الفرص، حيث ينصب تعليم الإدارة على الوسيلة المثلى لإدارة الهياكل القائمة. ويشترك الأسلوبان في اهتمام بتحقيق «ربح» بصورة ما (والذي يمكن أن يتخذ في المؤسسات غير الربحية أو الحكومة صورة زيادة في الخدمات أو انخفاض في التكاليف أو زيادة في الاستجابة للمستهلك أو المواطن أو العمل).

في بريطانيا، قال رئيس مجلس إدارة شركة «ستارت آب لونز كامباني»، نجم «دراغونز دين» السابق، ومنظم المشاريع الرائدة الناجح جيمس كان إن القروض موجهة إلى «مشاريع صغيرة لمجتمعات محلية». وأضاف: «يتمثل تركيزي الأساسي هنا في بث روح النشاط لدى الأفراد، بحيث يبدأون مشاريعهم الخاصة كي لا يعتمدوا على الحصول على وظائف». وعلى الرغم من أن إطلاق «ستارت آب بريتن» حظي بدعم من رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ووزير الخزانة جورج أوسبورن، فإنه لا يعتبر فعليا برنامجا حكوميا.

في بريطانيا، تم الإعلان في الأسبوع الماضي عن دعم قيمته 30 مليون جنيه إسترليني لبرنامج «ستارت آب لونز» الحكومي مقدم من قبل رئيس الوزراء لإعطاء الجيل المقبل من أصحاب المشاريع الرائدة التمويل والدعم اللازم لدعم مشاريعهم ومساعدة بريطانيا في المضي قدما في السباق العالمي. سوف تعزز الأموال الإضافية التمويل الكامل الممنوح لقروض برنامج «ستارت آب»، على نحو ربما يساعد في بدء عشرات الآلاف من المشاريع الجديدة. علاوة على ذلك، فقد أعلن رئيس الوزراء عن أنه نظرا للطلب من جانب هؤلاء الذين قد حرموا من فرص الاشتراك في البرنامج، والتحديات التي يواجهونها للحصول على قروض من أجل بدء مشروع، فسوف يمتد الحد العمري للتقدم بطلبات المشاركة في البرنامج من 24 إلى 30 عاما.

لقد تقدم ما يزيد عن 3 آلاف شخص بطلبات أو سجلوا اهتماما بقرض «ستارت آب»، أصحاب المشاريع الرائدة الناشئون هؤلاء يتلقون الدعم والتوجيه لتطوير أفكارهم. حينما تكون خطة العمل قوية ويتم التصديق عليها، سوف يتمكنون من الحصول على الدعم المالي في صورة قرض بسعر فائدة منخفض، مع فترة سداد تربو على 5 سنوات.

في خلال الثلاثة أشهر التي استمر فيها البرنامج، تم التصديق على قروض تصل قيمتها إلى 1.5 مليون جنيه إسترليني، التي ساعدت في تدشين أكثر من 460 مشروعا جديدا. من المتوقع أن يتم التصديق على قرابة 100 مشروع جديد أسبوعيا في يناير (كانون الثاني)، مع التصديق على آلاف المشاريع الأخرى خلال الشهور المقبلة.

ستكون الحديقة الأولمبية موقعا لإطلاق المشاريع ومركزا تجاريا. يعتبر الطرف الشرقي من لندن مركزا للاستثمار والنمو، ومع توفر اثنين من المراكز التجارية في العالم، وهما مدينة لندن وكناري وارف، على بعد 4 محطات سكك حديدية وأنفاق، سوف تصبح الحديقة موقعا طبيعيا لبدء مشاريع وازدهارها.

وسوف يسمح ابتكار آخر للمشاريع الجديدة بإنشاء متاجر في مقر إدارة المجتمعات والحكومة المحلية في لندن فيكتوريا. وتفتح إدارة وايتهول أبوابها لأصحاب المشاريع الرائدة الجدد بهدف مساعدتهم في إنشاء متاجر. وتفتح إدارة المجتمعات والحكومة المحلية متجرا داخل مقرها بالقرب من محطة فيكتوريا في لندن، موفرة مساحة لأصحاب المشاريع الجديدة لعرض سلعهم. وكل أسبوعين، سوف تظهر 6 مشاريع جديدة، متشاركة التكاليف ومجربة منتجاتها مع الجمهور. ويأمل الوزراء في أن يوفر النظام مخططا لاستخدام المساحات الفارغة في مراكز المدينة عبر أنحاء بريطانيا.

سوف يتحقق النجاح في المستقبل لهؤلاء الذين نجحوا في تنمية اقتصاد يقوم على المشاريع الرائدة، وإنتاج كثير من أصحاب المشاريع الرائدة الأفراد. بالتأكيد تعد المنافسة عالمية.

* أستاذ زائر في «كلية إدارة الأعمال» بجامعة «لندن متروبوليتان» ورئيس مجلس إدارة شركة «ألترا كابيتال»