استياء في إسرائيل من بوادر توحد الصف الفلسطيني

TT

اتخذت التوازنات الدقيقة سريعة التغير التي تحيط بمسار الاشتباك السياسي الفلسطيني - الإسرائيلي المتأزم منحى مفاجئا آخر، من خلال تصريحات غير مألوفة صدرت عن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي الأسبق، المعروف بأنه رجل كتوم بطبعه، وأثارت عاصفة هوجاء بين كبار المسؤولين. وقد أعقب هذه الانتقادات حشد هائل ونادر الحدوث لحركة فتح في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس يرحب بعودة الوحدة المفقودة منذ زمن بين الفلسطينيين.

وشن يوفال ديسكين، الرئيس الأسبق لجهاز الـ«شين بيت» المرشح السابق لرئاسة الموساد، هجوما حادا أواخر هذا الأسبوع على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفائه، واصفا إياهم بأنهم أضعف من أن يقودوا إسرائيل، كما اتهمهم بتعريض البلاد للخطر بأعمالهم التي تهدف إلى تحقيق مصالح شخصية، وسوء إدارة ملف الرد على التهديد الإيراني، وإهدار الفرص في إجراء محادثات مع الفلسطينيين. وعلى الرغم من تأكيد رئيس الشين بيت الأسبق على عدم وجود أي أجندة سياسية لديه في الهجوم على رئيس الوزراء والدائرة المحيطة به، فإن هجومه هذا يأتي قبل بضعة أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية المفاجئة، التي تقول استطلاعات الرأي الأخيرة إن نتنياهو سوف يحقق فيها فوزا حلوا ومرا في الوقت ذاته، إلا أنه سيعجز عن تحقيق انتصار كاسح يسمح له بتشكيل مجلس وزراء يقوم فقط على الائتلاف اليميني الذي يقوده.

وفي حوار أجرته معه صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية الكبرى، التي كثيرا ما تبنت سياستها التحريرية مواقف مناهضة لنتنياهو، ضرب ديسكين رئيسه السابق تحت الحزام بالسخرية من أسلوبه «المذبذب» الناجم عن خوف عميق من تحمل المسؤولية وشخصيته غير الجديرة بالثقة، كما وجه ضربة مماثلة إلى وزير الدفاع إيهود باراك، قائلا إنه أكثر انقيادا لإحساسه بالذات من نتنياهو. وفيما يتعلق بمسألة أكبر كابوس أمني يقض مضجع إسرائيل وهو إيران، قال ديسكين إن نتنياهو وغيره من كبار المسؤولين بالحكومة يتصرفون «بطريقة غير قانونية» ثم يحاولون إقناع الأجهزة العسكرية والاستخباراتية بإمكانية شن هجوم على إيران، موجها إليهم اللوم بسبب الاستهتار الذي يناقشون به قضية أمنية خطيرة مثل هذه.

وبينما استهجن مكتب نتنياهو تصريحات ديسكين واصفا إياها بأنها «مثيرة للسخرية»، تبنى زعماء سياسيون إسرائيليون آخرون اتجاها مختلفا، حيث لجأ زعماء المعارضة الذين يجلسون في انتظار الفوز بمناصب عليا في إسرائيل بعد الانتخابات إلى استغلال تصريحاته، إلا أن محاولتهم هذه قد لا تجدي أي ثمار، ذلك أن السباق الانتخابي يتمحور في الأساس حول القضايا الداخلية بأكثر من التهديدات الخارجية المحدقة بإسرائيل، في حين أن تاريخ ديسكين قد تلوث بسبب غضبه المعروف لدى الكثيرين، بعد تخطيه من التعيين في منصب رئيس الموساد.

ونظرا لجوانب القصور التي تعاني منها الحكومة، فقد أشار ديسكين إلى أن إسرائيل قد «رفعت من شأن» عدوها اللدود حماس و«قللت من شأن» الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي بدأ مؤخرا في الاقتراب من تلك الحركة الإسلامية بعد أن خذلته إسرائيل في محادثات السلام. ودافع الرجل عن الانتقادات التي وجهها بقوله: «ينبغي أن يفعل شيئا قبل أن تصبح الانتفاضة الثالثة حقيقة واقعة»، كما أن هجومه هذا يتزامن مع حدوث تقارب بين حماس وفتح عباس.

ووسط الضجة السياسية الهائلة الناجمة عن عاصفة ديسكين الكاملة هذه، أحيت حركة فتح ذكرى مرور 48 عاما على تأسيسها باجتماع حاشد في غزة معقل حماس، بعد 5 أعوام من الصدامات التي وقعت بين الفلسطينيين وكادت تصل إلى مستوى الحرب الأهلية، وتسببت في حصر سلطة الجماعة الفلسطينية العلمانية في الضفة الغربية. وهذا الاجتماع الفتحاوي الحاشد في غزة ليس مؤشرا على رأب الصدع بين الجماعتين الفلسطينيتين المتخاصمتين فحسب، بل إنه يعد أيضا إظهارا للثقة من جانب حماس، التي تلقت دعما سياسيا بفضل استحواذ حلفائها ممن لديهم نفس العقلية الآيديولوجية على السلطة في مختلف أنحاء المنطقة. وربما تعطي تصريحات ديسكين، وكذلك التقارب بين حماس وفتح، الإحساس بأنه يبدو أن رياح التنافر قد بدأت تغير اتجاه التيار في المسار السياسي الإسرائيلي الفلسطيني، إلا أنه لن يكون مفاجئا إذا ما اتخذ هذا التيار منحى عكسيا مرة أخرى في المستقبل القريب.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية