تقسيم غير معلن

TT

كيف يمكن لنا كعراقيين أن نخرج من الأزمات المتتالية التي تعصف بالبلد؟ خصوصا أن هذه الأزمات يدفع فيها الشعب تضحيات كثيرة وكبيرة.

وقد يقول البعض إن تقسيم البلد هو حل بحد ذاته، خصوصا في ظل وجود مخطط كهذا عبر مشروع بايدن الذي قبله البعض ورفضه البعض الآخر، ولكن علينا جميعا أن ننظر إلى هذا المشروع من زاوية أخرى موجودة في الدستور العراقي الذي يرفض التقسيم بحكم المادة الأولى منه التي تؤكد أن العراق دولة اتحادية فيدرالية ذات نظام برلماني.

لهذا فإن الفيدرالية قد تكون حلا إن تم التعامل معها وفق الدستور الذي لا يمنع تشكيل الأقاليم الجغرافية وليست الفئوية، وبما أن جغرافية العراق بحد ذاتها فئوية وهي عبارة عن مناطق جغرافية تقطنها مكونات بعينها، فإن الفيدرالية تبدو الحل الأكثر رواجا وقبولا من كل الأطراف الموجودة في العراق على غرار ما هو موجود في كردستان من إقليم يدار من قبل القوى السياسية الكردية ويفترض أن لا تكون ثمة أزمات إذا ما تم تطبيق الدستور الاتحادي، لأن أغلب أزمات العراق السياسية ناجمة من عدم تطبيق الدستور.

وعلينا هنا أن نشير إلى أن خيار الفيدرالية وحتى خيار تقسيم البلد بالنسبة إلى الشعب العراقي هو أفضل من خيار حرب طائفية جديدة تحرق ما تبقى من لحمة وطنية وتقود بالتأكيد لأن يدخل العراق نفقا أكثر ظلمة من نفق أعوام 2006 إلى 2008 وقد لا نعود إلى الحالة التي نحن فيها الآن، والتي تمثل مرحلة تبدو نوعا ما هادئة وسط تنامي القدرات الاقتصادية للبلد.

ولكن علينا أن نسأل هنا: إلامَ نحتاج لتجاوز الأزمات الحالية؟ بالتأكيد نحتاج إلى منطق عقلاني في الحوار يبتعد كثيرا عن النزعة الطائفية الموجودة للأسف الشديد لدى الساسة أكثر مما هي موجودة لدى الشعب، وسبب وجودها لدى السياسيين يكمن في أنهم صعدوا إلى مناصبهم هذه عبر بوابة الطائفة ولا يمكن لهم أن يغادروا هذه البوابة لأنها الوحيدة التي لديهم مفاتيحها، ومن سمع تصريح الدكتور إياد علاوي زعيم القائمة العراقية بأن سبب فشل مشروع قائمته يكمن في تمسك وزراء القائمة بمناصبهم؟! أي أن المنصب هو الهدف، وهذا الحال ينطبق أيضا على الوزراء الشيعة، وبالتالي فإن مشروع تقاسم السلطة في البلد وفق ما هو موجود حاليا في رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء هو حالة من حالات تقسيم البلد أو تقاسمه، وما بقي فقط هو إعلان التقسيم الجغرافي، وهو بالمناسبة موجود عمليا من خلال عدم وجود قوات اتحادية في شمال العراق، ومطالب أهل الموصل بسحب القوات الاتحادية من المدينة في مظاهراتهم الأخيرة، ومن قبل تم سحب القوات الاتحادية من سامراء، وهذا ما يوحي بأن هنالك عزفا عن التعامل مع الحكومة الاتحادية في هذه المناطق.

ومن هنا نجد أن حالة «الفيدرالية» موجودة عبر التصرفات وإن كانت غير رسمية، لهذا نجد أن خيار الفيدرالية ضمن العراق الاتحادي يبدو حلا لا بد منه في هذه المرحلة، شريطة أن لا تكون هذه الفيدرالية منافسة للدولة الاتحادية أو خصما لها، خصوصا أن الفيدرالية نظام اقتصادي تنموي إداري أكثر مما هو سياسي، لأنه يعنى باللامركزية في أمور كثيرة، ليس من بينها الصلاحيات السيادية.