«شيطنة» الربيع!

TT

بعد اندلاع الثورة التونسية وإسقاط النظام السابق، أصبح يوم 14 يناير (كانون الثاني) تاريخا مهما في حياة التونسيين، يُذكرهم بحدث الثورة الكبير وريادتهم في افتتاح زمن الربيع العربي من جهة ويُجبرهم أيضا وفي الوقت نفسه على تقويم مرحلة ما بعد الثورة وإلى أي حد تمثل هذه الثورة قطيعة عميقة مع التهميش والبطالة وثقافة الديكتاتورية من جهة ثانية.

فيوم 14 يناير هو في الوقت نفسه وكما هو معاش في العقل التونسي، يوم المجد ويوم الحساب، وكلّما كان المنجز أقل من التوقعات والاستياء أكبر، تضاءل الإحساس بالمجد وأصبح تاريخ 14 يناير موعدا لمحاسبة النخب السياسية الحاكمة.

في هذا السياق، نفهم لماذا دعا بعض أفراد من المعارضة إلى عدم المبالغة في الاحتفال يوم الاثنين القادم على اعتبار أن المنجز ضئيل جدا واستحقاقات الثورة لم تتحقق بعد وهو موقف تبناه البعض على خلفية زيارة الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي في الأسبوع الثالث من شهر ديسمبر (كانون الأول) المنقضي إلى ولاية سيدي بوزيد التي استقبل فيها بردود فعل سلبية وصلت حد العنف!

وفي الحقيقة ليس من مصلحة أي أحد التلذذ والاستمتاع بشيطنة الواقع التونسي الجديد. بل المطلوب هو التمييز بين رمزية تاريخ يوم 14 يناير 2011 والفشل أو التأخر في إشباع توقعات التونسيين وعلى رأسهم العاطلون عن العمل وأي خلط للأوراق والمعاني في هذين الملفين يعني إفراغ حدث الثورة التونسية من مضمونه وقوته ورمزيته. وهو أكبر خطأ يمكن الوقوع فيه سواء أكان ذلك عن حسن نية أو عن سابق إضمار وترصد. ففي يوم 14 يناير قام التونسيون بثورة أبهرتهم قبل أن تُبهر غيرهم. والتونسيون أنفسهم لم يكن يخطر ببالهم أنهم قادرون على القيام بثورة ورفع شعار «ارحل» في وجه الرئيس السابق وعائلته.

لذلك، فإن موقف شيطنة الربيع التونسي ليس صلبا في مستنداته ومتنكرا لصوت الواقع التونسي الجديد الذي شهد تطورات نوعية في ممارسة السياسة والإعلام والحياة المدنية، والكل اليوم يعيش على وقع معركة إيجابية مع ثقافة جديدة لن تُؤتي ثمارها إلا بالهضم الجيد للقيم الجديدة وبامتلاك القدرة على التمييز والتنسيب، إذ لا تجتمع العقلانية والقيم الديمقراطية مع الإطلاقية والراديكالية المجحفة لما هو موضوعي ونسبي.

طبعا لا يعني رفض الموقف القائل بشيطنة الربيع التونسي أن الأمور في تونس بعد الثورة هي على أحسن ما يرام. فالواقع مليء بالإحباطات والتجاوزات وحتى الانحراف المتكرر عن مسار الثورة والتأخر الكبير في الاستجابة لأهم استحقاقات الثورة وهو الاستحقاق الاقتصادي.

وأخطر ما في الأمر هو أن لا تدرك الترويكا الحاكمة أن البطالة هي التي خلعت بن علي وكل العوامل الأخرى كانت مساعدة لا أكثر ولا أقل.

لذلك فإن القفز عن هذه الحقيقة سيجعل من يحكم في تونس اليوم وغدا مهددا بثورة أخرى ما دام السبب المباشر ما زال قائم الذات.

وليس من مفر بالنسبة إلى تونس للخروج من عنق زجاجة البطالة إلا بتوسيع رقعة التوافقات وهو ما سيُؤدي إلى التقليص من التجاذبات لفائدة التوافق الذي سيوفر الإطار الاجتماعي والسياسي المشجع للعملية.

تدل كل المؤشرات أن التونسي لن يحتفل يوم الاثنين 14 يناير بتقلص نسبة البطالة التي تتزايد، ولا بانخفاض الأسعار المتواصلة في اشتعالها. لذلك ليكن الوفاق الوطني والإعلان عن خريطة طريق نحو الانتخابات المضمون الاحتفالي البديل والعاجل.