هيّا روح والعب يا واد

TT

أعلن رجل خليجي في موقعه على (النت) أنه في حاجة قصوى لـ(خوي) - أي مرافق - على شرط أن يكون (خفيف دم)، وهو على أتم الاستعداد لتقديم راتب مجز له، إضافة للسكن والتأمين الطبي، والسفر معه بالدرجة الأولى في تنقله ببلاد الله الواسعة، ومدة العمل اليومي هي أربع ساعات مسائية فقط، ومن ضمن الشروط التفصيلية أيضا: أن يكون حافظا (للنكت)، والقصص المسلية، وبارعا بالمقالب، ومتقنا للشعر (النبطي)، وسريع البديهة، ويعرف كيف يقلد الناس والأصوات. وبرر إعلانه هذا على أساس أنه يفتقد للأصدقاء الذين يتصفون (بالوناسة)، لهذا، هو في أغلب الأوقات مكتئب.

وتقدم لهذا العرض المغري عدة أشخاص من (المهابيل) العاطلين عن العمل، وكلما قضى أحدهم معه أربع ساعات - وهي مدة الاختبار - لم يستطع أن يفوز بإضحاكه وشرح صدره رغم كل ما يفعله من حركات بهلوانية خرقاء، وما إن تنتهي المدة حتى يصرفه غير مأسوف عليه.

وتقدم للفوز بهذه الوظيفة حتى الآن أكثر من عشرة أشخاص، وكلهم رسبوا في ذلك الاختبار الصعب.

ويبدو لي أن ذلك الرجل الثري عصي على الابتسامات، وهو في ظني يحتاج فقط إلى شيء من (الدغدغة) - أي الزغزغة بالأصابع - فبعض الناس لا يسعدون إلا بذلك.

* * *

ذهبت إلى أحد المعارف لزيارته في منزله، ووجدته ليس (على بعضه)؛ بمعنى أنه كان منفعلا وغاضبا ويشتم كل المعلمين الأحياء منهم والأموات.. حاولت أن أخفف عليه وسألته قائلا: إيه هي الحكاية؟! فأجابني قائلا: تصور، لقد (مصع) المدرس اليوم أذن ابني بطريقة وحشية!

قال ذلك ثم أخذ ينادي على ابنه بأعلى صوته، ودخل علينا طفل لا يتجاوز عمره الثماني سنوات، وقال له أبوه: هيا ورِّي عمك أذنك. وعندما اقترب مني الطفل لاحظت فعلا احمرارها، غير أنه لفت نظري أنها أيضا طويلة أكثر من اللازم، وكدت أسأل الأب: هل هي طالت بهذا الشكل غير الطبيعي من شدة المصعة؟! والحمد لله أنني لم أسأله، خصوصا عندما شاهدت أذن والده التي تكاد، من دون مبالغة، تصل إلى كتفه، وعرفت أن طولها المفرط ما هو إلا وراثة.

فتوقفت عن السؤال قائلا له: كلنا في صغرنا عوقبنا من المدرسين، وأنا شخصيا ما أكثر ما أكلت من (العلقات)، ولكن احمد ربك أن ابنك لم يكن تلميذا في مدرسة بالمكسيك، فعندما ضاق المدرس هناك من (دوشة) الأطفال في الصف، ما كان منه إلا أن يكمم أفواههم ويلزقها (بالبلاستر).

واحمد ربك أيضا أن طفلك لم يكن تحت إمرة مدرس أميركي عندما طرد تلميذا مشاغبا من الفصل قائلا له: اذهب واقتل نفسك. فما كان من الطفل المسكين عندما خرج من الفصل إلا أن يفتح النافذة التي في (الكوريدور)، ويرمي بحاله من الدور الثاني، ومن حسن حظه أنه لم ينتج عن ذلك إلا كسر في ذراعه.

واحمد ربك أكثر وأكثر أن طفلك لا يدرس في مدرسة ابتدائية في (زمبابوي)، حيث إن المعلمة هناك كانت ترغم الأطفال المشاغبين على الرضاعة من ثدييها.

وكدت أن أسترسل في ضرب الأمثال لولا أن الوالد أسكتني، ثم التفت لابنه قائلا له: هيّا روح والعب يا واد.

[email protected]