التجهم والسوداوية

TT

أعترف أنني لست مغرما إلى هذا الحد بالمشايخ ورجال الدين على مختلف مشاربهم، ولكنني بروح رياضية أتقبل وأتعايش مع بعضهم كأناس فضلاء، ومن ضمن من أراه على شاشة التلفزيون هو الشيخ مبروك عطية الذي أسمعه حتى النهاية لسبب بسيط، وهو أنني أحببته من أول نظرة عندما شاهدته وهو يتحدث ويمسك بيده مضمومة من الأزهار، وكانت تلك كافية، فالأزهار على مختلف ألوانها إضافة للنساء المستضعفات فهن نقطة ضعفي الوحيدة في هذه الدنيا الحلوة والفانية.

فذلك الشيخ على الأقل يبشر ولا ينفر، ودائما ما يرسم على محياه الابتسامة الطبيعية لا المصطنعة، وهو مثلي تماما يتقزز من التجهم والسوداوية، ومن ضمن ما يروي أن هناك إمام مسجد قريب من بيته كان مغرما على الدوام بقراءة الآية الكريمة على المصلين التي جاء فيها: (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد)، ويأخذ يرددها بصوت مرتفع أكثر من ثلاث مرات، وعمره ما ذكر الآية التي تسبقها والقائلة: (والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا).

ومعه حق في ذلك لأن المولى قال لرسوله «طه.. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى»، كما أنه سبحانه وتعالى ذكر بيوت الأحياء 64 مرّة، ولم يذكر المقابر في القرآن الكريم سوى 6 مرات فقط لا غير، فما بال الغالبية العظمى من مشايخنا الكرام يلفون ويدورون دائما على البحث عن النكد؟!

وإذا أنا قلت هذا الكلام فلست طبعا مع بعض المشايخ الذين هم (فاتحينها بحري) على الآخر، أكثر من اللازم، مثل الشيخ الأزهري سعد الدين الهلالي الذي أفتى بأن شرب البيرة والخمر حلال لشاربها، إذا كانت مصنوعة من غير العنب - هذا إذا شربها الإنسان ولم يسكر أو يضيّع - وذلك كما يزعم أنه على مبدأ الإمام أبو حنيفة، وقد نسي ذلك الشيخ الحديث الشريف الذي يقول (لعن الله الخمر وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها والمحمولة إليه، وكذلك آكل ثمنها)، أعاذنا الله وأبعدنا عنها.

كما أنني لا أستسيغ بعض المشايخ الذين يمزجون الهزل بالجد في خطبهم من دون داع مثل إمام أحد المساجد في الضفة الغربية الفلسطينية عندما أراد أن يهاجم بروح ثورية الاحتلال الإسرائيلي في صلاة يوم الجمعة، عندما فاجأ المصلين ورفع عقيرته عن آخرها وهو يترنم بمقطع من أغنية الأطلال لأم كلثوم من فوق المنبر قائلا بنفس رتم اللحن الموسيقي (أعطني حريتي أطلق يديا)، ولم يكن ينقص له إلا أن يمسك بمنديل (الست) الشهير لتكتمل الرّصة.

هذه الطرق والتبسط فيها أنا شخصيا لا أحبذها، رغم أنني أؤمن بعبقرية الضحك مقتديا بالآية الكريمة: «وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة».

مع الأسف فالكثير من مشايخ الغم لا يتعبون من ترديد الحديث الشريف في صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه قال: إن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام دخل على صحابته وهم يضحكون، فقال لهم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، فتركهم بعد أن تحول ضحكهم إلى بكاء.

وأزيد على أسفي أسفا وأقول: إن هؤلاء المشايخ يقفون عند هذا الحد من الحديث لأنه يرضي مزاجهم، ولو أنهم أكملوه لقرأوا فيه: (...فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: «يَا مُحَمَّدُ، لِمَ تُقَنِّطُ عِبَادِي؟».. سنن البيهقي.

[email protected]