السياسة الأميركية والقوات في أفغانستان

TT

التقى الرئيس حميد كرزاي الرئيس باراك أوباما أمس الجمعة. وكان من المتوقع أن المناقشة ستتضمن عدد القوات الأميركية التي ستظل في أفغانستان بعد عام 2014. هناك الكثير من الخيارات، لكن ينبغي أن تركز المناقشات على أهدافنا، التي يجب توضيحها للأميركيين والأفغان والعالم. يمتلأ الإعلام بالأرقام التي تتراوح بين 3 آلاف و20 ألفا، والتي يقال إنها تتضمن مستويات متعددة من المخاطرة. السؤال هو أي مخاطرة بالضبط؟ لقد أدى غياب الوضوح فيما يتعلق بهدف الولايات المتحدة في أفغانستان إلى اضطراب كل من الأميركيين والأفغان على حد سواء.

لجأ الأفغان، الذين لا ينشغلون بالمرحلة الانتقالية العام المقبل بقدر انشغالهم ببقائهم خلال عام 2015 وما بعدها، إلى استراتيجيات التحوط من أجل دعم العلاقات القبلية - العسكرية التي تقوض تنمية وتقدم الدولة وترابط الجيش الأفغاني. ولم يتم الربط كما ينبغي بين إعلان أوباما عن هدف هزيمة «القاعدة» واستراتيجيتنا الخاصة بالتصدي لتمرد حركة طالبان والعمل على استقرار أفغانستان وهي الأمور التي تشغل قواتنا وتستنزف أموالنا. وهناك علاقة بين الأمرين لكن ليس على نحو واضح. إن «القاعدة» تنظيم متطور. ولا تتمتع أفغانستان بالثبات اللازم لإدارة حرب كبيرة سوف تستمر بعد انسحاب قواتنا المقاتلة. من دون قدر من استمرار الدعم الأميركي، من المرجح أن تشهد أفغانستان حربا أهلية وانقساما يؤدي إلى تقويض استقرار آسيا الوسطى، حيث ستركز دول الجوار قواها على حماية مصالحها مما يمثل تربة خصبة للتطرف. الإقرار بالترابط بين ما كنا نفعله وهزيمة «القاعدة» أمر ضروري لوضوح القرارات. هل ما زالت الأهداف كما هي أم أنها تغيرت؟ لا يتعلق الاختلاف في أعداد القوات الأميركية بـ«المخاطرة» بل بالسياسات المختلفة.

إن بقاء ما يتراوح بين 3 آلاف و6 آلاف فرد من القوات جزء من سياسة مكافحة الإرهاب التي توضح التخلي عن تقديم دعم حقيقي للجيش الأفغاني والتركيز على القضاء على أعدائنا. إن هذا لا يقدم أي عون للأفغان سوى قتل لا ينتهي وبالتالي سيُواجه هذا برفض أكبر من قبل الأفغان. إضافة إلى ذلك، نظرا لحاجة قواتنا إلى حلفاء محليين من أجل الحصول على دعم استخباراتي ولوجيستي، من المرجح أن يعزز الوجود الضعيف قوة أمراء الحروب الذين فعلوا الكثير من أجل دعم الفساد. إذا انهارت الدولة الأفغانية بسبب غياب دعمنا، لن يكون وجودنا قابلا للاستمرار.

يمكن الإيجاز بالقول إن استراتيجية مكافحة الإرهاب جذابة ظاهريا، لكنها في الحقيقة خيار ينم عن إفلاس. ولن يتطلب العمل على استقرار أفغانستان، وهو الاستراتيجية التي نتبعها حقا، وجود القوات الأميركية على النحو الذي نشهده حاليا، لكنه سيتطلب تنفيذ ثلاث مهمات إلى جانب مكافحة الإرهاب. المهمة الأولى هي التدريب، فخلال سفري عبر جنوب وشرق أفغانستان العام الماضي رأيت ما أحرزته القوات الأفغانية من تقدم ملحوظ، لكن لا يزال هناك الكثير من الأمور التي ينبغي إنجازها على مستوى القيادات والمؤسسات إذا كنا نريد لهذه القوات أن تصمد في حربها الطويلة. ويمكننا الاختلاف حول عدد المدربين اللازمين، لكن لا ينبغي لنا أن نتجاهل المهمة.

المهمة الثانية هي تأسيس خدمات لوجستية وجوية وطبية. لقد قيل لي خلال إحدى زياراتي إلى أفغانستان عام 2010 إننا لا نستطيع الانتهاء من التدريب الخاص بتلك الخدمات وتوصيل المعدات اللازمة قبل عام 2016 لتأجيلنا بدء البرنامج من أجل تكريس جهودنا للانتهاء سريعا من إقامة وحدات مشاة. وأدت المخاصمات القانونية ومشكلات العقود الأميركية إلى المزيد من التأخير. مع ذلك من دون هذه الإمكانات، ستظل القوات الأفغانية في الثكنات العسكرية، وسيتم التنازل عن المناطق الريفية لآخرين بمن فيهم المتمردون.

نحن بحاجة إلى بضع سنوات نقضيها في جسر الهوة حتى يحالفنا النجاح، ولأننا نتقاسم المسؤولية عن هذا الوضع. يمكن خفض عدد مؤدي تلك الخدمات مع تطور القوات الأفغانية، لكن لا ينبغي أن يتم ذلك بشكل مفاجئ لفشلنا في إنجاز مهمتنا قبل الموعد المبكر المحدد وغير القابل للتحقيق.

المهمة الثالثة هي توفير عدد صغير من المستشارين مع الوحدات الأفغانية. ومهمة هؤلاء المستشارين هي توفير الاتصالات الضرورية بالخدمات الجوية واللوجستية إضافة إلى الانتقال بالقوات الأفغانية من مستوى العدد إلى مستوى الجودة. على سبيل المثال، لن يقصف الطيارون الأميركيون أي أهداف إلا بعد توجيه المستشارين الغربيين للضربات وتقييم المخاطر التي توجد على الأرض. ومن المفترض أن تتراجع هذه المتطلبات مع نضج القوات الأفغانية وتقدم مستوى تقديم الخدمات المذكورة.

تحتاج القرارات المسؤولة بشأن عدد القوات التي ستتواجد بعد عام 2014 إلى توضيح والإعلان عن المهمات المطلوب من القوات تنفيذها، والأهداف والإقرار بالمخاطر التي تواجهها تلك المهمات. سيكون تحديد العدد من دون هذا الوضوح بمثابة وصفة للفشل لأنه سيكون للجميع، بداية من حكومة كرزاي إلى حلفائنا في حلف شمال الأطلسي، افتراضات مختلفة بشأن سياستنا وسيعملون بأهداف متعارضة استنادا إلى هذه الافتراضات.

إن اتخاذ قرار ببقاء عدد صغير من القوات والزعم أن القوات الأميركية قادرة على تنفيذ برامج تدريب متعددة الأهداف والاضطلاع بمهام مكافحة الإرهاب لهو محض سذاجة.

إن التحول للتركيز بالأساس على مهمة مكافحة الإرهاب وما يتصل بها من مشكلات عملية من شأنه أن يقوض اتفاقياتنا الخاصة بدعم أفغانستان إلى ما بعد عام 2014، وكذا التزاماتنا الناتجة عن جهودنا الدبلوماسية مع دول حلف شمال الأطلسي والدول الأخرى المشاركة في الدعم العسكري والمالي.

بإيجاز ستكون هناك سياسة جديدة خلال السنوات القليلة السابقة على ذلك الانتقال والتحول. وأعتقد أنه لن يكتب لها النجاح، لكن إذا قررت إدارة أوباما تغيير السياسة، فهي تدين للأميركيين والحلفاء والأفغان بتفسير ما نفعله حقا وكيف يستحق احتمال نجاح السياسة الجديدة المخاطرة بالأرواح.

* سفير أميركي سابق لدى أفغانستان من يوليو (تموز) 2005 إلى إبريل (نيسان) 2007

* خدمة «واشنطن بوست»