بشار.. عازف كمان على السطح؟

TT

ألقى بشار الأسد، مثل عازف كمان على السطح، خطابه في دار الأوبرا في السادس من يناير (كانون الثاني)، ووصف معارضيه بـ«أعداء الله». وكان يتحدث عن اليوم الآخر وكأنه نبي أو شخص يعلم الغيب. المذهل أنه في اليوم ذاته، حكم آية الله خامنئي على رموز المعارضة مثل موسوي وكروبي وكل الشخصيات المعارضة الأخرى بأنهم «ليسوا فقط بؤساء وتعساء في الدنيا، بل أيضا في الآخرة». وكان هناك مفردة أخرى مشتركة في الخطابين وهي العدو. يعلم الجميع في إيران أن الكلمة الأساسية التي يستخدمها خامنئي هي العدو. ومثل خامنئي، ألصق بشار وصف العدو بالمعارضة السورية، فهم أعداء بشار والأكثر من ذلك أنهم أعداء الله. ويشكل هذان العنصران الإشكاليان وجهة النظر الغريبة التي يتبناها كل من بشار وخامنئي. على سبيل المثال، عندما كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يتحدث مع أحد الكفار أو المشركين لم يكن يقول لهم إن مصيرهم جهنم، بينما سيكون مصيره هو الجنة، بل على العكس كان يقول: «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)» (سورة سبأ).

هذا هو أسلوب نبينا، إنه أسوة حسنة لنا جميعا بمن فيهم القادة. واستنادا إلى موقف كل من بشار وخامنئي، يمثل النظام معيار التمييز بين الحق والباطل، وبين الملاك والشيطان. كل من يناهضون الحكومة وينتقدون القائد هم الأعداء، أعداء الله، لذا فمصيرهم جهنم يوم القيامة. ومن الصعب جدا استيعاب هذه الطريقة في التفكير وتقبل هذه المواقف الغريبة.

إذا نظرنا إلى تعاليم القرآن سنجد أن الله يدعونا إلى أن نجعل من أعدائنا أصدقاء مخلصين، حيث يقول الله في كتابه الحكيم: «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)» (فصلت: 34).

هذا هو ما ينص عليه القرآن. إنه أبعد ما يكون عن آيديولوجية الكراهية والعداء. يقول الزمخشري في «الكشاف»: «يعني: أن الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما، فخذ الحسنة التي هي أحسن من أختها - إذا اعترضتك حسنتان - فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك. ومثال ذلك: رجل أساء إليك إساءة، فالحسنة: أن تعفو عنه، والتي هي أحسن: أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، مثل أن يذمك فتمدحه ويقتل ولدك فتفتدي ولده من يد عدوه، فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاق مثل الولي الحميم مصافاة لك. ثم قال: وما يلقى هذه الخليقة أو السجية التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان إلا أهل الصبر، وإلا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير». إن هذه هي القاعدة الذهبية في القرآن التي تساعد على تحويل العدو إلى صديق حميم. إلى أي مدى تبعد هذه الفكرة عن عقل بشار الأسد؟ قُتل تسعون في صف أمام أحد المخابز، فهل كانوا من أعداء الله وينبغي أن يكون مصيرهم الجحيم؟ إنه قول يمثل مفارقة، أليست سوريا حاليا بمثابة جحيم مستعر؟

كان لأفلاطون كتاب كلاسيكي شهير عن القيادة الحكيمة للدولة. ويشبه في الكتاب فن السياسة بفن الغزل والنسيج. إن رجل الدولة الحكيم مثل الناسج الماهر الذي يستطيع الخروج بتصميم جميل ويصل بين الخيوط، فهذا هو فن النسيج. بمعنى آخر ينبغي أن توحد القيادة الحكيمة للبلاد المكونات المختلفة للمجتمع. على سبيل المثال عندما يتحدث عن العلاقات بين الديانات السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام، يركز على الأرضية المشتركة بينها جميعا لا على أوجه الاختلاف.

ويقول ابن الرومي: «عندما أقول لا فإنني أعني إلا»، وهذا يعني أنه يريد توحيد البشر أيا كانت الاختلافات بينهم. ومن الواضح أنه من دون إجماع وتنسيق ووحدة وطنية، فإن كل حكومة سوف تكون مثل عازف كمان فوق السطح، أو «بشار في الأوبرا»، فمن سيستمع إلى الأغنية؟ ومن أين تأتي مصداقية المغني؟ إنه مشهد غريب لمغنٍّ أصم وجمهور أخرس!

والأسوأ من ذلك أن بشار قد بدأ في الحديث مثل كاهن في كنيسة أو شيخ في مسجد، ثم صب الزيت على النار بالقول مرارا وتكرارا إنه لا يوجد أي طريق آخر سوى المزيد من الشقاء والكوارث والضحايا: «يخربون بيوتهم بأيديهم».

فالقائد أو الحاكم الذي يستخدم مقاتلاته الحربية ودباباته ومدفعيته الثقيلة ضد شعبه يفقد ثقة الناس. ثم من الذي خلق مناخا سياسيا واجتماعيا مناسبا للتكفيريين في سوريا؟ إن المثل العربي يقول: رمى واشتكى. لقد حكم بشار ووالده سوريا بقبضة حديدية لما يزيد على 40 عاما، وخلال هذه الفترة تم قتل أكثر من 100 ألف شخص، وفي كل ركن من أركان العالم يمكنك أن تجد الكثير من السوريين، كتابا وصحافيين وفنانين، يعيشون في المنفى ويشتاقون إلى رؤية بلدهم الحبيب سوريا.

فهل سوريا ضيعة خاصة تملكها عائلة الأسد ودائرته الأمنية؟ لقد كان أنصاره يهتفون: الله وسوريا وبشار. وفي ثالوثهم الجديد هذا أصبح بشار يلعب دور الله، وأصبحت سوريا ملكا له، وبالتالي ففي مقدوره أن يصف خصومه بأنهم أعداء الله الذين سيدخلون جهنم. وليست لدي أي فكرة عمن كتب له خطابه، لكنني أعلم أن السياسة هي العلم بالاحتمالات وليس بالأوهام، والقائد لا ينبغي أن يكذب على شعبه، وعليه أن يكون صادقا مع نفسه أيضا. فهل يصدق بشار نفسه خطابه؟ هل يحب شعبه؟ هل هو قلق حقا على أبناء سوريا والشعب الذي يعيش في ظروف صعبة إلى درجة أن كسرة الخبز صارت حلما بالنسبة له؟ من الذي قتل 90 شخصا أمام المخبز؟ ما هو ثمن حكم بشار للسوريين؟ كم من الضحايا يريد أن يضحي بهم؟

على بشار بلا ريب أن يرحل، بينما ستبقى سوريا، وفي المستقبل عندما يدرس جيل جديد في سوريا التاريخ ويرى جمهور الأوبرا وهو يهتف «الله وسوريا وبشار»، فسوف يقولون لأنفسهم: ما أغبى هؤلاء القوم!