قرار تاريخي للمرأة السعودية

TT

الجدل حول قضايا المرأة في السعودية أخذ أبعادا وأحجاما هائلة، وشغل الرأي العام، وأجج المجتمع عبر السنوات حتى قسمه بخصوصها بشكل هو أقرب للهستيريا منه إلى الطرح الطبيعي لأي قضية اجتماعية. لكن إقحام الغطاء الديني في مسألة اجتماعية جعل منها تأخذ بعدا آخر، فالعالم الإسلامي من دون استثناء تعامل مع قضايا تعليم المرأة وقيادتها للسيارة ومشاركتها في مجال الوظيفة والعمل والمناصب الحكومية من وزيرة ومديرة وتبوئها مقاعد في المجالس البلدية والبرلمانية سواء بالترشح أو بالانتخاب المباشر. واليوم ها هي السعودية تخطو خطوة جبارة في طريق إقرار السوية الاجتماعية للمرأة وفصل التماس بين الموقف الديني والعادات الاجتماعية، وعن طريق الملك عبد الله بن عبد العزيز، بإصداره قرارا تاريخيا أدخل به المرأة إلى مجلس الشورى بنسبة لن تنخفض عن العشرين في المائة، لتكون بالتالي جزءا أساسيا من عناصر صناعة القرار المستقبلي للبلاد.

وملف المرأة بهذه الخطوة ينتقل من مرحلة «التنظير» إلى التعايش مع قيمتها في المجتمع، حيث مجدها الدين الحنيف ونبي الرحمة (عليه الصلاة والسلام)، وقامت في تاريخ السيرة العظيمة بأدوار مختلفة في الفقه والسياسة والحروب والطب، وإنكار كل ذلك اليوم هو أشبه بالألزهايمر الاجتماعي والتاريخي العجيب. وبينما كان وزير العمل السعودي يواجه أرتالا من المحتسبين وهم يعترضون عليه بأشد وأقسى العبارات، ويهددونه بالدعاء عليه في الحرم المكي الشريف بأن يصيبه السرطان وأن يهلكه، كانت السعودية تسعى لتوقير المرأة كما أمر الدين الحنيف، فالاعتراض على أن تبيع المرأة في الأسواق من وجهة نظر شرعية أمر لم يقر به الدين نصا في الكتاب، ولا الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والمرأة نفسها تمارس البيع في الأسواق لكن على «السطحات» على قارعة الطريق من دون أن يكون ذلك مصدر ممانعة ولا اعتراض. وهذه المسائل وغيرها مواضيع حسمت في العالم الإسلامي بمختلف بلاده ومناطقه، فلا يمكن بالتالي أن تقدم هذه الدول التي أقرت كل ذلك على مسائل فيها «حرام».

القرار التاريخي المهم الذي جاء عن طريق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز سيدخل في سجلات الإرث السعودي السياسي كواحدة من الخطوات المحورية التي نقلت الحال السياسي والاجتماعي في البلاد، مثله مثل تعليم البنات وإطلاق نظام الحكم المحلي وإطلاق مجلس الشورى نفسه.

المرأة في السعودية في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز تم التعاطي مع مواضيعها الحقوقية بشفافية ووضوح وسوية غير مسبوقة، فنالت حصة مهمة من فرص التعليم والابتعاث، وكذلك تحسنت فرصها الوظيفية عبر سلسلة من الأنظمة واللوائح والقوانين التي مكنت المرأة من العمل بأمان وضمان، وذلك مع استمرار الضغوطات الاقتصادية على الأسر، وبات طلب العمل ليس لأجل الرفاهية ولا قضاء الوقت ولكن تلبية للضرورات المالية التي في أوقات كثيرة جدا تكون المرأة فيها العائل الأساسي للأسرة، وهي مسألة باتت مكررة ولم تعد غريبة.

اليوم سوف يكون دور المرأة في مجلس الشورى مهما جدا، لأن الحكم على «التجربة» سيكون فارقا ولافتا، وبالتالي لا بد من نجاحها حتى يكون الموضوع قابلا للاستدامة كما حصل مع الغرف التجارية والعضوية النسائية في بعضها. ولذلك كان مطمئنا وسارا أن تكون الأسماء التي تم اختيارها هي كلها ذات سمعة مميزة وسيرة ناجحة وخبرة لافتة لإحداث الضمانة الدنيا لنجاح التجربة، مما يعني أن هناك جهدا واضحا تم لاختيار أسماء ناجحة جدا يجمع عليها المجتمع بشكل عام وهو الذي كان وحصل. وأعتقد جازما أن ذلك سيكون ممهدا لأول وزيرة سعودية، وإصدار قرار قيادة المرأة للسيارة، تلك المسألة الغريبة التي لم يعد من الممكن تبرير عدم حصولها لليوم بحجة منطقية.

السعودية وملكها يستحقان التهنئة على هذا القرار المهم والتاريخي، لأن القرار لن يعود فقط على مجلس الشورى وعلى العضوات المعينات فيه، لكنه سيكون فرصة لأجيال من الشباب والشابات لفتح الأمل والجرأة على الحلم، وهي مسألة باتت مع الأسف الشديد في الخيال وفي الماضي فقط.

مبروك للسعودية والسعوديين هذه الخطوة التاريخية، وسيراقب الناس وقائع مجالس الشورى القادمة على أمل كتابة التاريخ، ليس فقط بمسألة تعيين المرأة، ولكن بصناعة توجه سياسي جديد يليق بطموح السعوديين.

[email protected]