ديمقراطية العائلات أو «ديمقراطية الوريث» في انتخابات لبنان

TT

يتوجه غدا (الاحد) الناخبون في الجبل والشمال لانتخاب 63 نائباً من اصل 128 يشكلون المجلس النيابي. كما يتوجه في الاسبوع المقبل ناخبو بيروت والجنوب والبقاع لانتخاب الـ 65 نائباً الباقين. ويتنافس على 128 مقعداً ما يناهز 520 مرشحا أي بمعدل اربعة مرشحين لكل مقعد.

في الدورة الأولى ينتخب اللبنانيون 28 نائبا مارونياً من اصل 34 يتشكل منهم مجلس النواب، و5 دروز من اصل 8، و9 أرثوذكس من اصل 14، و13سنّياً من اصل 27، وثلاثة نواب شيعة من اصل 27، وعلويين وأرمنياً واحداً.

من مراجعة هذه الأرقام يتبين ان الدورة الانتخابية الأولى ستشهد اختيار %82 من النواب الموارنة و%62 من النواب الدروز، بالاضافة الى %48 من النواب السنّة.

السمة الأبرز في معركة الجبل تتمثل في التنافس الدرزي ـ الماروني في دائرتي الشوف وبعبدا ـ عاليه اللتين تضمان ثمانية نواب موارنة وخمسة نواب دروز. وعلى الرغم من ان الدروز يعدّون اقل من الموارنة فإنهم يتحكمون في النتائج بفضل زعامة وليد جنبلاط التي لا تضاهيها أي زعامة أخرى داخل الطائفة الدرزية وحتى داخل لبنان.

ويخوض وليد جنبلاط معركة سهلة نسبيا في دائرة الشوف، غير انه يخوض معركة صعبة في دائرة بعبدا ـ عاليه حيث يتحالف مع رفيق الحريري وحزبي الكتلة الوطنية والكتائب اللبنانية في مواجهة ضارية مع لائحة طلال ارسلان وايلي حبيقة والحزب القومي السوري الاجتماعي و«حزب الله»، وهي لائحة مدعومة بقوة من قبل الاجهزة السورية واللبنانية. الكل ينتظر نتائج دائرة بعبدا ـ عاليه لمعرفة حجم تمثيل الزعيم الدرزي في مجلس النواب المقبل.

أما في دائرة المتن من جبل لبنان فتبرز معركة من نوع آخر. فاللائحة الاولى يقودها وزير الداخلية ميشال المر وقد ضمّ إليها ابن رئيس الجمهورية ورئيس حزب الكتائب اللبنانية وممثلا عن الحزب القومي السوري الاجتماعي في مواجهة مع لائحة ثانية يرأسها نسيب لحود، وهو احد اقطاب المعارضة، ولائحة ثالثة غير مكتملة يقودها البير مخيبر بالاضافة الى مرشح منفرد هو بيار الجميل، ابن رئيس الجمهورية الاسبق.

ويصف البعض المعركة الدائرة في المتن بأنها «ام المعارك» بالنظر لأبعادها الثلاثة: البعد السياسي المتمثل في المعركة بين الموالاة التي يجسدها ميشال المر والمعارضة التي يُجسدها نسيب لحود، والبعد العقائدي المتمثل في المواجهة بين حزب الكتائب اللبنانية والحزب القومي السوري الاجتماعي، والبعد الكتائبي الصرف المتمثل في الصراع بين جناحين في الحزب، منير الحاج وبيار الجميل.

ويشهد الشمال معركة هادئة في دائرته الاولى التي تضم عكار والضنية وبشري ومعركة صاخبة في دائرته الثانية التي تضم طرابلس والمنية وزغرتا والكورة والبترون. وتتواجه في الدائرة الثانية ثلاث لوائح ومرشحون منفردون، لكن المواجهة الحامية تجري بين لائحة يتزعمها سليمان فرنجية ولائحة يتزعمها الثنائي عمر كرامي ونايلة معوض. وتدعم سورية ورفيق الحريري اللائحة الاولى في وجه اللائحة الثانية التي ليست مخاصمة لسورية، لكنها في خلاف مع رفيق الحريري. وأظن ان الحساسيات والحسابات الشخصية فعلت فعلها في تشكيل مثل هذه الخصومة في هذه الدائرة.

اهم ما في انتخابات الدورة الاولى انها تكشف جانبا أساسيا من طبيعة النظام اللبناني القائم على العائلات السياسية العريقة منها والحديثة. وكثيرا ما تختزل العائلة الواحدة طائفة بكاملها أو حزباً برمته أو منطقة جغرافية معينة، ويمسي سقوط احدهم يوازي سقوط طائفة أو حزب أو منطقة.

ولا يقف الصراع بين العائلات عند هذا الحد، بل يتحول احياناً الى صراع داخل العائلة الواحدة فتنقسم طائفة أو حزب أو منطقة بانقسام العائلة الواحدة، مما يحملني على توصيف الديمقراطية اللبنانية بأنها «ديمقراطية العائلات» أو «ديمقراطية الوريث».

وتبرز «ديمقراطية العائلات» بأبهى حللها عند الدروز المنقسمين بين التيار الجنبلاطي والتيار الارسلاني اللذين يعود تاريخهما الى ما قبل نشوء «دولة لبنان الكبير» في عام 1920.

أما موارنة المتن فمنقسمون بين عائلتي لحود والجميل. وعائلة لحود منقسمة بين جناح موالٍ ترشح عنه اميل اميل لحود، وجناح معارض ترشح عنه نسيب لحود وكأن الخلاف في المتن بين الموالاة والمعارضة هو خلاف بين جناحين داخل العائلة الواحدة.

وعائلة الجميل منقسمة بدورها بين مرشحين هما بيار الجميل وبول الجميل، ولكن عائلة الجميل تؤثر مباشرة في مصير حزب الكتائب اللبنانية، وتتواجه مباشرة مع عائلة الاشقر الممثلة التقليدية للحزب القومي السوري الاجتماعي في دائرة المتن.

واذا ما نظرنا الى دائرة كسروان ـ جبيل لاكتشفنا أن اللوائح الانتخابية تتمحور حول العائلات التقليدية. فهناك ثلاثة مرشحين من آل الخازن تتمحور حولهم ثلاث لوائح، ومرشحان شقيقان من آل ابو شرف، ومرشحان من آل زوين. فالعائلات تمسك بتمثيل تلك الدائرة اكثر من الاحزاب أو التكتلات السياسية.

أما شمال لبنان فهو معقل العائلات الذي لم تقدر الأحزاب اليمينية منها واليسارية على اختراقه. فما زالت اللوائح تتشكل على اساس التمثيل العائلي. ففي زغرتا الانقسام قائم منذ عهد الاستقلال بين اربع عائلات: فرنجية، معوض، الدويهي، وكرم.

وفي طرابلس المعركة بين آل كرامي وآل ميقاتي وآل الأحدب، وداخل عائلة كرامي بين عمر واحمد.

وللدلالة على التلازم العضوي بين «ديمقراطية العائلات» و«ديمقراطية الوريث»، نشير الى ان التنافس على زعامة الموارنة يحتدم بين ابناء ثلاثة رؤساء للجمهورية سابقين وزوج رئيس اغتيل وهم: سليمان فرنجية وبيار الجميل واميل لحود ونايلة معوض. وما ينسحب على الموارنة ينسحب بامتياز على الدروز فوليد جنبلاط ورث الزعامة عن والده الذي اغتيل في عام 1977، وطلال ارسلان خلف والده مجيد ارسلان عند وفاته. والامر عينه ينطبق على الزعامة السنية في طرابلس، فقد تزعم عبد الحميد كرامي عن مدينة طرابلس قبل استقلال لبنان، وخلفه فور وفاته ابنه رشيد الذي اغتيل في عام 1987 من دون اولاد فخلفه شقيقه عمر.

هذا هو المشهد الانتخابي في الدورة الاولى، والحديث آت عن الدورة الثانية.