ما أكثر العبر.. لمن يريد الاعتبار

TT

من الطبيعي ان تثير كارثة تحطم طائرة مشاعر تردد وخوف. وليس غريبا ان يرتبك مسافر، وتجفل مسافرة، اذا ما قيل له ولها صباح الخميس الماضي ان حجزهما تأكد على طائرة «ايرباص»، فصورة ما حدث قبل ساعات (مساء الاربعاء الماضي) والمصير الذي انتهى اليه ركاب الرحلة GF072)) ما تزال طرية جدا في ذهن كل منهما.

حدث هذا ايضا قبل اسابيع عندما سيطر هاجس الخوف من الموت على عدد من زبائن «كونكورد» القادرين على تحمل كلفتها، والمعتادين على «متعة» امتطائها كما لو انها فرس يحلق في الفضاء، فبادروا مباشرة بعد حادث مطار باريس، وربما بأسرع من الصوت ايضا، الى تطليقها بالثلاث! لكن ليس من المستغرب ايضا ان يمضي المسافر او المسافرة قدما في السفر على طائرة «ايرباص» بعد دقائق من مشاهدة صور كارثة الاربعاء الماضي. والارجح ان هذا هو حال الاغلبية. فهناك 840 طائرة من هذا الطراز تشغلها 82 شركة خطوط في مختلف انحاء العالم، وهي واصلت الاقلاع والهبوط وكأن شيئا لم يحدث. وهذا ايضا ما حدث مع «كونكورد» التابعة للخطوط البريطانية التي لم تتوقف إلا بعدما اوصت لجنة تحقيق رسمية بقص اجنحة الطائرة الاسرع من الصوت.

وخلال 12 سنة، هي عمر هذه الحافلة الجوية في الخدمة، لقي 329 انسانا حتفه في حوادث تعرضت لها «ايرباص» وقع اولها في معرض طيران وبعد شهرين فقط من بدء تشغيلها سنة 1988، اما كارثة «طيران الخليج» الاخيرة فهي سادس هذه الحوادث وضحاياها (143) هم الاكثر عددا.

ولا شك ان فاجعة الاربعاء الماضي خلّفت احزانا لن تندمل بسهولة في بيوت العائلات التي فقدت احباء لها في الكارثة، لكن يمكن القول من دون تردد ان اجواء الحزن وجدت طريقها ايضا الى ملايين البيوت في العالم العربي كله، ونخص العالم العربي بحكم وحدة الانتماء، لكن ليس من المبالغة القول ان الحزن وجد طريقه ايضا الى مئات ملايين البيوت على سطح الارض، فكوكبنا آخذ في الانصياع لسطوة ثورة اتصالات وفضائيات يتعاظم سلطانها، بل طغيانها، يوما بعد آخر، تهدم الجدران وتزيل الحواجز، فتجمع الناس حول صورة واحدة، ليتشكل وجدان عالمي ازاء حدث ما.

تكرر هذا على نحو متسارع خلال خمسة اسابيع، من كارثة «الكونكورد» في 25 الشهر الماضي، الى حادثة الغواصة الروسية «كورسك» قبل اسبوعين، الى مأساة «طيران الخليج» الاربعاء الماضي. في المآسي الثلاث انفجرت احزان... وانكسرت قلوب، اضطربت مشاعر... وثارت اسئلة، ليس فقط في بيوت المحزونين والمنكوبين بل ايضا في بيوت بعيدة عنهم مئات آلاف الاميال ولا تمت لهم بصلة عرق او قرابة.

يبقى، بعد ذلك، تلقي الرسالة... واستيعابها.

وهي، باختصار شديد، اخذ العبرة:

كم قصيرة هي هذه الحياة، مهما طالت...

وما اكثر العبر... لمن يريد الاعتبار!