سامي المنيس

TT

لم اكن اعرف سامي المنيس عندما ذهبت الى العمل في «الانباء» الكويتية العام 1981. وبعد قليل من وصولي بدأت حرب افتتاحيات بين «الانباء» اليومية و«الطليعة» الاسبوعية، سببها مشروع سياحي يملكه السيد خالد المرزوق، المالك الرئيسي «للانباء». وشعرت ان الحرب تؤثر على الجريدة التي كلفت مسؤوليتها للتو، وانها قد تعيق مشاريع التطوير. وحاولت ان اقنع «ابا الوليد» بوقف الحملات، لكنه قال لي «انتم القادمون من لندن لا تتحمل اعصابكم الحروب. انا اريد ان ألقنهم درساً لا ينسوه».

كانت المسألة بالنسبة الى «الانباء» قضية كويتية ومسألة شخصية. لكن بالنسبة اليَّ كانت «الطليعة» لسان القوميين العرب. ونحن في العام 1981. وفي لبنان تدور حرب حقيقية بين موقفين واتجاهين وسياستين. ولم اكن اريد «للانباء» ان تقف في مواجهة التيار القومي بسبب قضية لا علاقة لها بالاتجاه العام. وفي الوقت نفسه كان من الصعب اقناع خالد المرزوق بوقف الرد عما اعتبره تطاولاً شخصياً عليه.

وجدت ان الحل الوحيد هو اقناع رئيس تحرير «الطليعة» بوقف الحملة لأن صحيفته هي التي بدأتها. واتصلت هاتفياً بسامي المنيس. وقلت له: «لا يليق بكم ولا بنا ان تبقى الحرب قائمة حول تهمة عقارية، فيما حرب كبرى تدور على جبهة العالم العربي. ولن اطلب من ابي الوليد وقفها لأنكم البادئون. فهل تكارمني؟». وفي الاسبوع التالي صدرت «الطليعة» خالية من المناوشة المحلية. ولم اتعرف الى سامي المنيس شخصياً الا بعد سنوات من مغادرة الكويت. وصرت كلما عدت اليها في زيارة قصيرة لا تكفي لأن نلتقي كل من نحب ان نلتقي، اطلب متعمداً ان يكون في اي سهرة او لقاء يعقده صديق آخر.

قبل عامين دعيت للتحدث في جامعة الكويت مع الدكتور احمد صدقي الدجاني. وكان سامي المنيس من اوائل الواصلين. وقلت له وانا اصافحه: «برافو عليك. لقد خسرت الكثير من الوزن». واجاب «برافو شنو. يا معود السكري ذابحني». وفي الربيع الماضي التقيته في الشارقة خلال الاحتفالات بربع قرن على صدور «الخليج». وقلت له «طمنّي، الصحة كيف؟». فأجاب انه في تحسن. وهذا الصيف التقيت في فرنسا، كعادتنا كل سنة رئيس تحرير «الطليعة» احمد النفيسي. واول ما سألته عن حال سامي. وقال وهو يلف كفه في اشارة حائرة: «والله زين. بس شوية تعبان».

سامي المنيس من جيل ساهم في الحياة الديمقراطية في الكويت على طريقته. وقد دخل الصحافة من باب الالتزام وبقي فيها في اطار الالتزام. وهكذا ايضاً دخل مجلس النواب. وقد ضحك عندما سألته «كم عدد كتلتكم الآن»، فرسم باصبعيه الرقم 20 لقد ادى سامي المنيس، صحافياً ونائباً، دور الرقيب الحرّ والديمقراطي الحارس، مع مجموعة كبيرة من رفاق يكبرونه او يصغرونه. وقد جعل هو ورفاقه الديمقراطية والرقابة، حرصاً على القضايا والسياسات القومية وعلاقة الكويت مع عمقها العربي وارثها العربي وتاريخها العربي. وكان هو ورفاقه ايضاً كبار واوائل واعمق المصدومين بالاحتلال العراقي الذي جعل المسألة القومية تبدو وكأنها ذريعة عابرة، لكنهم لم يستخدموا الاحتلال لحظة واحدة كذريعة للخروج من المشاعر القومية او للتخلي عن الالتزام القديم.