الجنرال الظريف

TT

ليس من المعتاد أن نسمع عن قائد عسكري يتميز بالفكاهة والسخرية. لكن الجنرال ويلنغتون كان واحدا منهم. فهو رجل إنجليزي، والإنجليز قلما فارقتهم روح النكتة والفكاهة. بيد أن انتصاره الساحق على نابليون طغى على روحه الفكاهية فأصبحنا نتذكر معركة واترلو وننسى قفشاته.

كأكثر العسكريين، اتخذ موقفا سلبيا نحو الحركات الليبرالية والاشتراكية. عرضه ذلك إلى هجمات الجماهير، الذين لم ينفكوا عن رشقه بالحجارة والبيض الفاسد رغم كل ما حققه من نصر لبلادهم. حطموا زجاج بيته عدة مرات. وأصروا عليه أن يهتف بحياة الدوقة كارولين التي اشتهرت بفجورها وإباحيتها، فأذعن لطلبهم وهتف: «تعيش الدوقة كارولين.. وجعلها الله قدوة لكل زوجاتكم!».

ودأب الجمهور على تعييره بأنه ليس إنجليزيا حقا وإنما انحدر من آيرلندا التي يهزأ الإنجليز من أبنائها ويحتقرونهم. راحوا يسخرون من أصله هذا فرد عليهم قائلا: «إن ولادة إنسان في إسطبل لا تجعل منه حصانا عندما يكبر».

مدرسة آيتن هي أشهر مدرسة أرستقراطية في بريطانيا، وتخرج فيها معظم قادة بريطانيا وزعماؤها بمن فيهم رئيس الحكومة الحالية، المستر كاميرون. وكان الجنرال ويلنغتون أحد تلامذتها. وبعد انتصاره الحاسم في معركة واترلو نطق فقال: «لقد ربحنا معركة واترلو على ملاعب مدرسة آيتن»، كناية عن دور هذه المدرسة التربوي في إعداد جهابذة القواد والساسة. وأصبحت كلمته هذه من الأقوال السياسية الذائعة في بريطانيا، تقال تمجيدا لقادة البلاد حينا، وسخرية منهم حينا آخر. ويمكننا أن نقول هنا إن بعض ساستنا الذين تسلموا الحكم في هذا القرن ربحوه في شايخانات إدجوار رود.

ودخل ويلنغتون في مشادة مع زميله السياسي فيتزروي سومرست، الذي كان يحث على الاقتصاد في النفقات العسكرية والتأهب للحرب في نطاق صغير. فقاطعه ويلنغتون قائلا: «لا يوجد شيء اسمه حرب صغيرة بالنسبة لدولة كبيرة».

جرت عندئذ الاستعدادات لحرب وشيكة فتم تجنيد ألوف الرجال. علق على ذلك بقوله «يتكلم الناس عن دخولهم الجيش استجابة لمشاعر عسكرية وطنية. هذا هذيان. لا يوجد مثل هذا الشيء. يدخل بعض الرجال الجيش هروبا من أولاد لا شرعيين خلفوهم، وبعضهم من جرائم ومخالفات اقترفوها. والكثيرون ينخرطون في الجيش بسبب إدمانهم الكحول. لا يستطيع أحد أن يتصور خليطا كهذا يتم جمعه من مثل هؤلاء. ولكن من المدهش أننا سرعان ما جعلنا منهم جنودا رائعين!».

التقى بعد معركة واترلو بالسفير النمساوي فيليب فون نيومان، الذي سأله عنها فقال له: «لا يوجد شيء في الحياة أسوأ من معركة تربحها غير المعركة التي تخسرها».

وكمعظم القواد في غرورهم واعتدادهم بأنفسهم، تأمل في النصر الذي حققه ضد نابليون فقال: «بحق الله، لم يكن ذلك الانتصار ممكنا لولا وجودي هناك»، وهي كلمات قال مثلها أيضا الجنرال مونتغمري عن انتصاره في معركة العلمين.

ولا أملك في هذا الصدد غير أن أتذكر كلمات أحد الضباط العراقيين بعد معركة «ماكو أوامر» خلال حرب فلسطين عام 1948: «سيدي من حسن حظ العدو أنك كنت قائدنا!».