التفاؤل يأتي من الرياض

TT

حين تدخل علينا سنة 2013 الميلادية بأخبار متشائمة من معظم العواصم العربية الذي يشتد فيها الصراع إما بالرصاص أو بالكلام، وبعضه أشد وطئا وأكثر تنكيلا، يأتي التفاؤل من الرياض، بقرار الملك عبد الله بن عبد العزيز تسمية خُمس مجلس الشورى القادم من النساء. تلك أخبار طيبة بالطبع فهي نسمةُ تفاؤلية في أجواء خانقة ومقلقة في الوقت نفسه تحيط بنا من كل صوب في الإقليم.

من يطلع على ما يكتب وينشر في المملكة العربية السعودية يعرف أن المرأة في المملكة قد خطت خطوات واسعة نحو المشاركة الاجتماعية والاقتصادية، فالسنوات الأخيرة وجدنا أن النساء تعدين بنسبة أكبر في العدد من الخريجين، في نهاية المرحلة الثانوية، كما أنهن أشد تعلقا بالتعليم - حتى من الرجل - وأكثر جدية في العمل المنوط بهن، كما أن نسبة من يشغلن وظيفة «مدير تنفيذي» إحصائيا تبلغ 45 في المائة من المجموع. وتشير بعض الأرقام المنشورة إلى أن المرأة في المملكة العربية السعودية، تصل نسبة التعليم لديها نحو 80 في المائة. لعل الوقت مناسب للتذكير بإصلاحات الملك فيصل رحمه الله، الذي أتاح للمرأة في المملكة – مبكرا - دخول مساقات التعليم بدرجاته المختلفة كونها إنسانة، رغم كل المقاومة التي واجهت تلك الخطوة من قطاع متشدد، لم يتبين الحكمة والرشادة وقتها بأهمية تعليم نصف المجتمع وإخراجهن من شرور الجهل.

منذ ذلك الوقت، الأمور تسير من حسن إلى أحسن بالنسبة للمرأة في المملكة، حتى تُوجت الآن بدخولها إلى مجلس الشورى، وهي خطوة ليست إصلاحية هامة فقط، ولكن تاريخية أيضا.

لقد استند النقاد لردح من الزمن كثيرا على وضع المرأة في السعودية، كمدخل للنيل من النظام السياسي، وأصبح أكثر العناوين جذبا للقراء في الكثير من الأماكن، التساؤل المزمن الذي يضعه البعض كقولهم: «هل هناك أمل في تغيير أوضاع المرأة في السعودية؟». كان هذا العنوان أو شبيهه حَري بأن يُتبادل على نطاق واسع كمأخذ سلبي للتطور، خاصة في السنوات الأخيرة، مع انتشار وسائل الاتصال الإلكترونية والإعلام الجديد، وكان أيضا عنوانا يسعى إليه كل أكاديمي يبحث في الأوضاع الاجتماعية في المملكة العربية السعودية كمدخل واسع للنقد والغمز.

حقيقة الأمر أن هناك أمرا واضحا في الخلط بين المواقف الاجتماعية المحافظة التي يكتنفها الجهل، والموقف العام من المرأة، ويذكر لنا التاريخ أن المرحوم الملك عبد العزيز، كان من أحب الأسماء إليه أن يُكنى بـ«أخو نورة» بل أصبح اليوم هناك جامعة حديثة تكفل بها المصلح الملك عبد الله للعناية بتعليم المرأة وتمكينها من الولوج الآمن إلى المجتمع، وهي مسلحة بفكر إيجابي، ومهنية نافعة، سميت جامعة نورة.

لا جدال أن المرأة في المجتمع تشكل طاقة بشرية ومادية وإنسانية مخزونة لا سبيل إلى إطلاق تلك الطاقة إلا بالتعليم، وقد كانت في السابق مساهمة في الاقتصاد القائم على الكفاف في مناطق الرعي والزراعة، وأعمال البادية، كما تمكنت في السنوات الأخيرة من دخول بوابة التعليم والعمل من أوسع الأبواب، فأصبحت كاتبة ومديرة وطبيبة وباحثة ومربية، إنها الآن تحصد نتاج التطور المرن لهذه السنوات الطويلة.

وليس لدي أفضل من الشواهد أكثر مما خبرته في السنوات العشر الأخيرة من عمل مؤسسة الفكر العربي التي يقود أعمالها الأمير خالد الفيصل، فلم يمر لقاء أو ندوة أو مؤتمر إلا وكان هناك نساء من المملكة بجانب زميلاتهن العربيات، يشاركن بفعالية في تلك النشاطات، وبسبب الإيمان بأهمية ذلك العنصر البشري تلقى الأمير خالد بعض الرَشاش من المعارضين لسبب أو لآخر، جُله - إن لم يكن كله - له علاقة بالتقاليد المشوبة بالأوهام التي وجب التفكير في تجاوزها.

أصبح اليوم كل خمسة رجال في مجلس الشورى تقابلهن امرأة واحدة، ومن المؤمل أن يغذي هذا الفعل تمكين المرأة في قطاعات مجتمعية أخرى هامة، كما من المأمول أن تُذلل عقبات أخرى أمام المرأة في المملكة العربية السعودية، وهي بالتأكيد أقل في المكابدة بكثير، من وُلوجها إلى مكان عال في المساعدة في التشريع، وهو دخولها مجلس الشورى.

ولكن من المهم في هذا المقام أن لا تحصر النساء القادمات الجدد إلى المجلس همُهن في تطوير قاعدة للمرأة في المجتمع أكثر رحابة على أهميتها، فالمجتمع لا يتحرك إلا بجناحين، من هنا فإن مَهمتهن أكثر من الحديث أو التفكير في ما يخص المرأة فقط - وهو كثير وكثيف - ولكن حَري بهن أن يعملن مع زملائهن لدعم الإصلاح الذي يقوده الملك عبد الله في مجالات كثيرة، وفي أجواء عربية وعالمية مضطربة.

لقد شهد العالم اليوم جيلا حيويا من النساء في المملكة، معظمهن من الشباب يلجن الكثير من النشاطات المختلفة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي باقتدار، وكان ذلك الولوج بسبب قدراتهن وما حصلن عليه من تدريب ومعرفة ومهارة. كما قامت الجمعيات الأهلية المهتمة بالمرأة بعمل جاد وطويل المدى - كثير منه غير معروف للكافة - من أجل تطوير مهارات السيدات والشابات لاستقبال حياة أكثر رحابة وأشد تعقيدا في الوقت نفسه مما واجه أمهاتهن.

ليس من الأوفق الآن نقد الماضي فقد ذهب بخيره وشره، لكن الكثير من المصلحة يكمن في تذليل العقبات القليلة المتبقية أمام المرأة في المملكة العربية، لعل منها فرص العمل المتساوية للمؤهلات المتساوية، وتقليل نسب البطالة، وتطويع التعليم والتدريب من أجل ثلاثة أهداف هي المعرفة والمهارة وموقف إيجابي من الحياة. بإشراك المرأة يعني تلقائيا الحصول على جيل جديد متعلم وناضج، فهي كما يعلم الجميع المدرسة الأولى والحاضنة الأساس.

لقد كان القرار الأخير سارا للكثيرين ولكنه لن يألو أن يجد بعض المعارضين لأسباب عديدة، وقد يتشبث أولئك ببعض المقولات التي لا تقنع الحصيف ولكنها قد تغرر بالغافل، لذا فإن من كتب وألف وتحدث في أهمية تمكين المرأة في المملكة، عليه اليوم واجب أكبر هو الشرح والتفسير لأهمية تلك الخطوة لحمل كل قطاعات المجتمع على تعضيد هذه الخطوة التاريخية المهمة والمباركة.

آخر الكلام:

أصعب المواقف أن يضعك من تحب في مكان نتيجة أفعاله، لا تستطيع الدفاع عنها، بسبب جهله!