العود.. والرائحة الشينة!

TT

الاقتصاد الخفي هو ذلك الاقتصاد «الموجود» ولكنه مجهول العناصر وخفي المعلومات مع عدم إغفال الحجم المهول من الأموال التي تصرف فيه وعليه ومن خلاله. وفي العالم هناك نماذج مختلفة لذلك الأمر؛ سلع كالشاي والقهوة والسيجار وغيرها وهي كلها لها تسعيرات «رسمية» وأخرى «سوقية» وما بين الاثنتين محيط من الألغاز والأرباح، وهذا الأمر ينطبق على عالم تجارة العود، ذلك العالم المجهول والغامض.

شجرة العود التي تنبت في دول مثل الهند وكمبوديا وماليزيا وإندونيسيا وبورما وفيتنام يتم استخراج سائل منها عندما تصاب ببكتيريا معينة وهذا يتحول إلى «دهن» ويستخدم للتطيب بذاته أو يخلط مع مسك وعنبر وورد ليكون «خلطة» خاصة، وجميعها تباع في مستويات سعرية تتراوح بحسب الجودة والندرة ما بين الرخيص جدا إلى اللامعقول، وكذلك يتم استخدام «خشب» هذه الشجرة للبخور والدخون للملابس وغرف النوم والسيارة والمكتب والمناسبات الخاصة المختلفة بل إن البخور عرف بأنه جالب للخير وطارد للشر بحسب الأثر.

هذه السلعة تحاربها مؤسسات حماية البيئة المختلفة حول العالم لأنها تهدد بعض أنواع الأشجار بالانقراض (بل إن بعض أنواع شجر العود انقرض من دول كباكستان والهند). ومعدل استهلاك الرجل العربي لعطر العود في الشرق الأوسط هو ثلاث قوارير (أو كما تسمى تولات) في نفس الوقت؛ واحدة في السيارة وثانية في المكتب وثالثة في المنزل، أما السيدات فمعدل الاستهلاك والاستخدام لديهن هو سبع قوارير في نفس الوقت ويبدو واضحا من أنماط الاستهلاك أنها متصاعدة كما وسعرا. فمع انقراض أو التهديد بانقراض المصادر ارتفعت الأسعار بشكل خيالي وباتت «قطع من الخشب» تباع بمئات الملايين من الريالات بشكل غير مفهوم ولا خاضع لا للمواصفات ولا المعايير ولا المقاييس مما يتيح المجال للغش الهائل (تدهن بعض الأشجار بدهان بني غامق وتطعم بورنيش ذي رائحة ولكن يتم الكشف عن الغش وفضح الأمر حينما يحرق ولكن بعد فوات الأوان).

وهذا باب قد يكون في بعض الأحيان من أبواب غسل الأموال والرشاوى والغش والاحتيال والنصب طبعا. ولكن هذا النوع من نمط الاستهلاك «الفريد» والمميز أغرى كبرى بيوت العطور الغربية عموما والفرنسية منها تحديدا بتقديم عطور خاصة وبإصدار محدودة تحتوي على «العود» من ضمن مركباتها ومقاديرها وطبعا يتم تسعير هذه العطور بأسعار أعلى بكثير من غيرها، وقد أقدمت على ذلك دور «شوبارد» و«ديور» و«ايف سان لوران» و«فان كليف»، ودخلت على الخط مؤخرا دور عطور كبرى في الولايات المتحدة لتقدم هي أيضا مجموعات مميزة من إنتاجها الخاص والمتضمنة «خلطة العود» مثل «كومبتورا» و«جوليان هاس» و«بوندا».

واليوم «حمى العود» انتشرت لنرى محالا تفتح في شوارع تجزئة كبرى في لندن وبيروت وماليزيا وباريس وواشنطن وباتت علامات تجارية مثل الرصاصي وأجمل وعبد الصمد القرشي وجنيد والعربية للعود وأمواج وشيخ والعربية السويسرية، وهي موجودة ومعروفة في مواقع مختلفة حول العالم وفي دور السوق الحرة بأهم المطارات وفي مبيعات الطائرات وعبر شبكات الإنترنت الترويجية. ولكن هذه السوق المفتوحة والكبيرة والضخمة بحاجة لتنظيم لأنه لا يزال فيها الكثير من الغموض وربما الغش والفوضى والقلق لأن المبالغ المصروفة فيه مهولة والارتباط بهذه السلعة وجداني وعميق وقديم وكبير ولكن الوضع يستدعي ترتيب «البيت» لهذا النشاط الكبير لإزالة اللبس والغموض عنه.

في خلال بحثي عن معلومات وإحصاءات وتفاصيل عن «تجارة» العود وتفاصيل هذه التجارة كان الجهد مضنيا ومحاصرا بجدران من الصدود والممانعة وكأن المسألة هي محاولة اختراق جدران أجهزة استخباراتية عتيدة مما أثار الفضول بشكل أكبر واستدعى ضرورة توصيل هذه التجارة العظيمة والقديمة والنبيلة إلى سوية كاملة حتى لا تستغل من بعض الأشقياء لتلويث سمعة النبلاء فيها.

العود للتطيب بشكل جميل وبشتى الأنواع ولكن من الضروري أن تكون هذه التجارة نقية وبعيدة عما يشوبها فورا وتماما.

[email protected]