آن أوان وضع سياسة أفضل لطائرات الـ«درون»

TT

تواردت أنباء عن تسبب طائرة أميركية من دون طيار في مقتل ثمانية بريف باكستان خلال الأسبوع الماضي، مما يصل بعدد ضحايا هذه الطائرات في باكستان خلال العام الحالي إلى 35. ومع تزايد وتيرة القصف باستخدام تلك الطائرات مرة أخرى، يجب طرح بعض الأسئلة وهي: كم عدد الإرهابيين بين الذين تم استهدافهم؟ هل تأذى أي طفل؟ ما معيار الأدلة التي توجب شن مثل هذه الهجمات؟ على الولايات المتحدة أن تقدم أجوبة عن تلك الأسئلة، وللكونغرس دور حيوي وضروري. ويتمثل جوهر المشكلة في أن قدرتنا التكنولوجية تفوق سياستنا وتتجاوزها.

وكما يشير الوضع، تتحكم السلطة التنفيذية من طرف واحد في الهجمات التي تتم بطائرات من دون طيار ضد إرهابيين في الخارج. وكان الرئيس أوباما في بعض الحالات يوافق على كل ضربة جوية من هذا النوع من خلال ما يسمى «قوائم القتل». وفي الوقت الذي يستحق فيه الرئيس الثناء لوضعه قواعد واضحة خاصة باستخدام الطائرات التي تعمل من دون طيار، تبدو قوائم القتل أحادية الجانب غير ملائمة ومحفوفة بالمخاطر.

ولدى سؤاله عن برنامج الطائرات التي تعمل من دون طيار في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي خلال مقابلة مع برنامج «ديلي شو»، قال الرئيس: «من الأشياء التي يجب علينا فعلها هي إقامة بناء قانوني. نحن بحاجة إلى مساعدة من الكونغرس لإنجاز ذلك ليس فقط لضمان تحجيمي، بل تحجيم أي رئيس آخر في بعض القرارات التي نتخذها». لقد آن أوان تحويل الكلمات إلى أفعال.

آتت الطائرات المسلحة التي تعمل من دون طيار ثمارها، فقد قضت على 22 من 30 قائدا في تنظيم القاعدة، وساعدت الأسبوع الماضي في التخلص من أحد قادة حركة طالبان.

إنها تقلل الحاجة إلى إرسال قواتنا إلى طريق الخطر، وكذا تحد من عدد الضحايا الأميركيين. مع ذلك، يتم تجاهل تكاليف الهجمات، التي تتم بتلك الطائرات، أو يتم الاعتراف بها على استحياء. وربما يكون عدد الضحايا من المدنيين الأبرياء أكبر مما يتخيل الناس، حيث أشارت دراسة حديثة أجراها خبراء في حقوق الإنسان بكلية الحقوق في جامعة ستانفورد وكلية الحقوق بجامعة نيويورك، إلى أن عدد الأبرياء الذين قضوا بسبب الضربات الجوية التي تتم بهذه الطائرات أكبر من العدد الذي ذكرته الحكومة الأميركية، حيث وصل إلى نحو 700 منذ عام 2004؛ من بينهم 200 طفل تقريبا. وهذا أمر غير مقبول إطلاقا.

من التكاليف الأخرى لهذه الضربات تشكيل النظرة للولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم. ربما تكّون رأيا سلبيا في الولايات المتحدة إذا كان كل ما تسمعه هو ضجيج طائرة أجنبية أعلى منزلك تقصف حيك أحيانا بالقذائف الصاروخية. وفي باكستان، حيث تحدث 95 في المائة من الضربات الجوية التي تتم بهذا النوع من الطائرات، أعرب السكان الذين اعتادوا عليها، عن رفضهم لها، حيث بلغت نسبة الرافضين 97 في المائة؛ بحسب استطلاع رأي أجراه مركز «بيو» منذ يونيو (حزيران) الماضي. كذلك يعتقدون أنها تتسبب في مقتل كثير من الأبرياء (94 في المائة). وربما تؤدي الطائرات من دون طيار إلى زيادة التطرف والإرهاب الذي تقاومه الولايات المتحدة. كذلك ساعد استخدام هذه الطائرات في الحد من اللجوء إلى استخدام قوات مقاتلة في دول أجنبية. هل كنا سنطلق كثيرا من القذائف الصاروخية على باكستان واليمن والصومال إذا كان هذا يستدعي وضع قوات أميركية على طريق الهلاك؟ يجب أن لا تكون القدرة وحدها هي التي توجه السياسة الخاصة بالطائرات التي تعمل من دون طيار، بل يجب أن يكون احترام المدنيين، والضرورة، والحاجة الملحة، هي العناصر الموجهة لها.

يجب أن يضطلع الكونغرس بدور رقابي ويضع سياسات تحكم استخدام القوة. ومع ذلك، لم يعقد المشرعون جلسة واحدة لمناقشة سياسة الطائرات الأميركية التي تعمل من دون طيار.

ويجب أن تضمن أي قوانين وجود شفافية كافية واحتراما لسيادة القانون، وتتوافق مع المعايير الدولية، وتطور الأمن القومي الأميركي بحكمة وحذر على المدى الطويل.

وينبغي للكونغرس، في سعيه نحو عمل إطار قانوني يحكم الإجراءات التنفيذية الخاصة بالضربات الجوية التي تتم بالطائرات التي تعمل من دون طيار، أن يضع في الاعتبار الخطوات التالية:

الخطوة الأولى: ضرورة تفادي وقوع ضحايا مدنيين أبرياء. وتميز اتفاقية جنيف، التي أرست قواعد الحرب منذ الحرب العالمية الثانية، بين المدنيين والمقاتلين خلال القيام بعمليات القتال، وتنص على عدم قبول وقوع ضحايا من المدنيين إلا في حالات الضرورة العسكرية القصوى. ويجب الالتزام بهذا المعيار.

الخطوة الثانية: ضرورة تقدم الكونغرس بطلب للحصول على تقرير قضائي مستقل عن أي «قائمة قتل» لسلطة تنفيذية. ويقوم النظام القانوني الأميركي على مبدأ متمثل في عدم جواز منح أي جهة حكومية سلطة مطلقة. وينبغي أن يعارض الكونغرس تركّز السلطة في قبضة جهة واحدة خاصة عندما يكون احتمال استخدامها ضد مواطنين أميركيين قائما. وقد تساعد عملية المراجعة القضائية في توزيع السلطة التنفيذية وتتيح آلية مراقبة أكبر.

أما الخطوة الثالثة؛ فهي ضرورة التعاون مع المجتمع الدولي لوضع مجموعة من المعايير القانونية التي تحظى بقبول على نطاق واسع. ولا يمكن أن تقبل أي دولة، بما فيها الدول الحليفة، التبرير القانوني الأميركي للقتل بالاستهداف. ويجب أن يستند تبريرنا على مفهوم الدفاع عن النفس، الذي يسمح للولايات المتحدة بحماية نفسها من أي خطر يحيق بها. وسيجعل أي معيار خارج هذا الإطار إساءة استغلال السلطة أمرا متاحا، وسيضع معيارا خطيرا تتبناه دول أخرى، وهو ما قد يضر بالمصالح الأمنية الأميركية على المدى الطويل. لن يدوم احتكار الولايات المتحدة تكنولوجيا الطائرات التي تعمل من دون طيار، لذا ينبغي أن تحثنا رؤية الطائرة الإيرانية الصنع التابعة لحزب الله التي حلقت فوق إسرائيل مؤخرا، على التفكير في التداعيات طويلة المدى للسياسة الحالية. وهناك حاجة إلى بروتوكول مقبول دوليا خاص باستخدام الطائرات التي تعمل من دون طيار في الحروب. وسوف توضح الولايات المتحدة، بوضعها مجموعة المعايير الخاصة بنا، للعالم بالدليل إيماننا بسيادة القانون.

* عضو الحزب الديمقراطي في مجلس النواب الأميركي عن المقاطعة الخامسة بولاية مينيسوتا والرئيس المشارك لمؤتمر الكونغرس التقدمي

* خدمة «واشنطن بوست»