قوميون أم إسلاميون؟

TT

فوجئت القوى الغربية بالظهور المباغت للحكم الإسلامي في شمال مالي وتسعى جاهدة لفهم ما يجري هناك. قالت التقارير إنه حكم إسلامي، لكن الصراع في محوره حركة انفصالية قومية من الطوارق - التي تمكن الإسلاميون من اختطافها في الفترة القليلة الماضية.

أثناء الحرب الباردة واجه الغرب أوقاتا عصيبة لأشهر في التفريق بين الشيوعية عن القومية. وأدى الفشل في ذلك إلى سلسلة من التدخلات الكارثية بدءا من كوبا إلى فيتنام. وكان من الأسهل بالنسبة لهم رؤية قادة مثل فيدل كاسترو وهو تشي منه يعملون كأدوات في يد موسكو عن محاولة تلبية مع مطالبهم القومية المشروعة.

الخطأ ذاته يرتكب هنا في الحرب على الإرهاب. فعلى مدى سنوات كثيرة تجاهل المجتمع الدولي بشكل كبير مطالب حق تقرير المصير للطوارق الذين يقطنون النصف الشمالي من مالي، المعروف باسم أزواد.

الطوارق هم رعاة رحل يبلغ تعدادهم نحو 1.5 مليون نسمة يتحدثون لغة التماشيك، إحدى لغات البربر وينحدرون من أصول عربية فيما يقطن الأفارقة الذين يقودون الحكومة جنوب البلاد.

وقد دعمت القوى الغربية، دول أفريقيا والشرق الأوسط، بعد التحرر من الاستعمار بالمساعدات العسكرية والاقتصادية التي استغلت أكثر من مرة لوأد حركات تقرير المصير التي تقوم بها الأقليات العرقية. بعض هذه الحركات كانت معروفة مثل الأكراد، فيما كانت أخرى أكثر أو أقل متابعة من الغرب مثل البربر والطوارق في شمال أفريقيا.

وحصلت مالي على الاستقلال عن فرنسا عام 1960 وتمكنت من القضاء على أول انتفاضة للطوارق عام 1962، وكان التمرد الثاني عام 1990 الذي تمخض عن وعد اتفاق تمنراست الذي وعد الطوارق بإقامة حكم ذاتي، وهو ما تراجعت عنه الحكومة المالية. وعلى الرغم من زيادة الولايات المتحدة لمساعداتها العسكرية للحكومة المالية باسم الحرب على الإرهاب، لكن هذه المساعدات استخدمت في القضاء على تمرد الطوارق الثالث بنفس قدر استخدامها في محاربة الأصوليين الإسلاميين.

كانت الانتفاضة الثالثة للطوارق التي اندلعت في عام 2006 معقدة نتيجة صعود «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، وهو ما يعني وجود صراع ثلاثي الأطراف بين الإسلاميين والقوميين الطوارق والدولة المالية.

في البداية شكل الطوارق والماليون تحالفا ضد الإسلاميين، لكن في عام 2011 بدل الطوارق ولاءهم وانحازوا إلى الإسلاميين. وتشكلت جبهة إسلامية جديدة، أنصار الدين، بقيادة إياد آغ غالي الذي كان أحد قادة ثورات الطوارق في الفترة بين عامي 1990 و2006. وشهد شهر أكتوبر (تشرين الأول) تدفق المقاتلين الطوارق والمتطرفين الإسلاميين من ليبيا في أعقاب سقوط نظام القذافي، وتشكلت الحركة الوطنية الموحدة لتحرير أزواد، وبدأت حربا شاملة ضد الحكومة المالية في يناير (كانون الثاني) 2012.

وبعد سلسلة من الانتصارات العسكرية، تمكنوا خلال أسابيع قليلة من تحقيق الهدف الذي راودهم منذ عقود - طرد الجيش المالي من شمال البلاد. وأدت الهزيمة النكراء التي مني بها الجيش المالي إلى انقلاب في مارس (آذار) أطاح بحكومة أمادو توماني توري المنتخبة ديمقراطيا. وأعلن استقلال أزواد في 6 أبريل (نيسان) 2012. لكن جماعة أنصار الدين وبعض الجماعات الجهادية الأصغر انقلبت على الحركة الوطنية الموحدة لتحرير أزواد - منافسة استغلوا فيها الدعم العسكري والاقتصادي من شبكة إسلامية انتقالية، وفرضوا الشريعة الإسلامية على المدن الواقعة تحت سيطرتهم وتسببوا في فرار ما لا يقل عن 400,000 شخص.

وكان تقدمهم المتواصل نحو الجنوب - لنشر الحكم الإسلامي لتأمين الاستقلال للطوارق - سببا في بدء التحرك العسكري الفرنسي خلال الأسبوع الجاري بعد شهر من محاولات الاتحاد الأفريقي الفاشلة القيام بتدخل عسكري للتعامل مع المشكلة.

لا يزال موقف الحكومة الأميركية (والاتحاد الأفريقي) هو تجاهل حركة استقلال الطوارق وطالبوا عوضا عن ذلك بالديمقراطية والمصالحة داخل مالي موحدة. وكانت المحاولات السابقة لتشكيل حكومة تقاسم سلطة قد فشلت على نحو متكرر في حماية حقوق الطوارق.

بيد أنه في هذه المرحلة ربما يكون قد فات الأوان على دخول القوات الغربية حلبة الصراع للتمييز والانتصار على القوميين المعتدلين داخل صفوف الطوارق

* أستاذ الدراسات الحكومية في جامعة ويسليان الأميركية

* خدمة «نيويورك تايمز»