الشرف الرفيع!

TT

بعض الأخبار تثير العجب، ليس العجب فقط ولكن الذهول أيضا، فمنها مثلا: أن (عنزة) - نعم عنزة - أي معزى - دخلت إلى مزرعة جار لجاره من الأردن، ويبدو أنها أكلت بعض البرسيم من حوض من أحواض المزرعة، وهذا في ظني ليس على الحيوان حرج لو أنه كان مفلوتا، ولكن إذا لم يكن مفلوتا وإنما أطلق بفعل فاعل الذي هو الجار، فطبعا هذا الفعل ليس بمقبول على الإطلاق، ولكن أن يصل الأمر إلى مشاجرة بين عائلتين امتشقتا فيها الأسلحة البيضاء والنارية، وأدى ذلك إلى تهديم منزل وإحراق ثلاث سيارات، وتدخل قوة الأمن وفض الاشتباك بواسطة الغازات المسيلة للدموع، فهذا شيء كثير ومخجل.

وأكثر من هذا الخجل أن العنزة المصونة لم يصبها أي سوء، سوى أن عينيها أخذتا تدمعان من الغازات. عموما الحمد لله أنه لم يسقط في هذه المعركة ولا قتيل واحد غير ثمانية من المصابين نقلوا على وجه السرعة إلى المستشفيات.

وهذه الحادثة لا شك أنها أرحم بكثير من أخرى حصلت في اليمن الشقيق، وهي موثقة لكي لا تعتقدوا أنني أقول الكلام على عواهنه، فأنا لم أحظ بهذا الشرف للكتابة في هذه المطبوعة الراقية، إلا أن أقول الصدق والحق حتى ولو على نفسي، ولا أتردد في ذلك، والله على ما أقول شهيد.

والحكاية يا رعاكم الله أن هناك مذبحة حصلت في منطقة (آب) في اليمن، وللمعلومية فقط، فقد سبق لي أن زرت اليمن ومن ضمن المناطق التي ذهبت إليها هي تلك المنطقة، والحق يقال إنني لم أجد منهم إلا حسن الاستقبال والكرم، ولا أنسى (اللحوح) الذي أكلته، مع العسل المصفى، وأهم من ذلك كله روح الأخوة والبشاشة.

المهم دعونا ندخل في الموضوع، وهو (غريب ومستغرب) بعض الشيء، ولكن هذا هو الواقع، خصوصا إذا عرفتم أنه أساسا حصل بين (الحيوانات) ويختص بنزواتهم وحقهم الطبيعي في ممارسات هم جبلوا عليها، غير أن الموضوع إذا تدخل فيه البشر وأرادوا أن يعسفوا الأمور عسفا فهذه هي الكارثة.

أكيد أن بعضكم متشوقون لمعرفة ما حصل.

الذي حصل يا سادة يا كرام، أنه بكل بساطة أن حمارا من قبيلة (مكابس) اغتصب على حد قول قبيلة (بني عباس)، حمارة من حميرهم. ولأنه «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى - حتى يراق على جوانبة الدم» - كما قال الشاعر، لهذا فقد امتشقت قبيلة بني عباس أسلحتها وهاجمت قبيلة مكابس، وردت عليهم القبيلة الأخرى دفاعا عن حمارهم الفحل العتيد، ونشب من جراء ذلك معركة حامية الوطيس، استخدمت فيها (الجنبيات) - أي الخناجر - ثم وصلت إلى (الكلاشنيكوف) والرشاشات وحتى القنابل اليدوية، وسقط من جراء تلك المعركة القومية (الاستشهادية) أكثر من 15 شخصا ما بين قتيل وجريح، وكل قبيلة تقول للأخرى: قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.

هل تصدقون، وأرجو ألا يغضب أحد مني إذا قلت: إن أغلب معاركنا نحن (بني يعرب) من (تطوان إلى بغداد)، كلها على هذا النحو - مع الفارق الضئيل - فأرجوكم المعذرة؟!

[email protected]