شهيدا شهيدا شهيدا

TT

نقل الإعلام العالمي طوال الأسبوع الماضي تصريح رئيس إسرائيل شيمعون بيريس، لمجلة (وليس صحيفة) «نيويورك تايمز»، الذي أكد فيه أن إسرائيل اغتالت ياسر عرفات. لم أقرأ نص المقابلة حتى صدورها صباح الأحد. ويقول الصحافي الذي أجراها إنها تمت على ستة لقاءات؛ أولها في يوليو (تموز) الماضي.

إذن، فكَّر بيريس طويلا قبل إطلاق التصريح، وفكر قبل إعطاء موافقته النهائية عليه، وفكر في صداه، ليس في العالم العربي الذي انقسم بين مفترٍ على عرفات ومتجاهل له؛ بل في أميركا أوباما، الذي أكد بيريس أيضا أنه مع الدولة الفلسطينية، ومع إقامة علاقات جيدة مع العالم الإسلامي، ولا يطيق نتنياهو.

دعونا نتوقف عند نقطتين: الأولى؛ يروي بيريس أنه طلب من أبو عمار توحيد الفصائل الفلسطينية وأنه «كذب في وجهي» عندما وعده بذلك ولم ينفذ. لم يكن أبو عمار يكذب، ولم يكن يتحدث في أي حال إلى رجل اشتهر بمصداقيته.. لكن توحيد الفصائل الموزعة الولاء أو المصالح على الدول العربية، كان يعني إهراق دم فلسطيني كثير. والدم الفلسطيني كان غاليا على الختيار.. ومن لا يصدق، فليعد إلى مشهد المليون الذين خرجوا في غزة في ذكرى ولادة فتح.

النقطة الثانية، أرجو من الرئيس محمود عباس أن يبعث ببطاقة شكر إلى بيريس، تحمل أيضا توقيع أرملة عرفات ووحيدته. وقبل الاستهجان، دعوني أشرح لماذا.. لأن ياسر عرفات، الذي أمضى عاميه الأخيرين في المقاطعة، في غرفتين دخلت إحداهما دبابة شارون، كان وحيدا، وحيدا، وحيدا. وكان وزير دفاع إحدى دول المواجهة يقول عنه في التلفزيون المسجَّل صوتا وصورة، إن أهم رموز التاريخ النضالي الفلسطيني هو ابن (...)، وكانت بعض الصحف العربية تستخدم مصطلح «العرفاتية» بمعنى «الصهيونية».

جالسا في الشمس وحيدا على كرسي أمام دار المقاطعة، قال الرجل أبو الكوفية التي حوَّلها إلى زي عالمي، إنه يرحب بالموت؛ شهيدا، شهيدا، شهيدا.

تأكيد بيريس هو إفادة رسمية بأن عرفات حقق حلمه. لم تعد هناك حاجة لتقرير المشرِّحين العلمي عن أنه قضى اغتيالا. رئيس إسرائيل يعرف أكثر من الأطباء الفرنسيين كيف، ومن قتل، ومن أمر باغتيال عرفات. تلك أكبر هدية قدمتها له إسرائيل. لم يكن يريد أن يموت في سرير يغير مكانه كل ليلة، ولا على كنبة كان يغيرها أيضا.. كان يريد أن يغيب كما عاش: شهيدا، شهيدا، شهيدا.. عصى على رصاصهم واحتالوا عليه بسمِّهم.