سوريا: حكومة انتقالية أم حكم انتقالي؟

TT

ما دمنا وقفنا إلى جانب الحراك السوري باسم التغيير والإصلاح وتوسيع رقعة المشاركة السياسية التي فجر من أجلها ثورته قبل عامين، فمن حقنا أن نقول رأينا في مسألة حساسة وخطيرة بدأت تظهر إلى العلن وتناقش في صفوف المعارضة وفي المحافل الإقليمية والعالمية وهي خطوة الاستعداد للإعلان عن حكومة انتقالية يدعمها ويؤسس لها الائتلاف الوطني السوري ويسعى لتوفير الاعتراف الدولي بها لتقود عملية المرحلة الانتقالية في البلاد وتتحمل مسؤولية إيصال الشعب السوري إلى بر الخلاص بعد كل هذه المشقات والأعباء والتضحيات المكلفة التي قدمها.

لا اعتراض لأحد على المرحلة الانتقالية بل التحفظ هو على خطوة الحكومة الانتقالية وملابساتها وما قد تجلبه عن غير قصد من أعباء قانونية وسياسية تترك الشعب السوري أمام ورطة أكثر خطورة وأعمق انقساما وشرذمة في الداخل، لكنها قد تكون أكثر تكلفة للمنطقة وشعوبها إذا ما حاول البعض استخدامها كورقة ضغط ضد الأنظمة والقيادات والكيانات السياسية.

القانون الدولي عندما يناقش مسألة الاعتراف بالدول يترك المجتمع الدولي أمام احتمالين، هما اعتراف قانوني مباشر يكون تحت سقف الأمم المتحدة، أو اعتراف فعلي يتحقق من خلال إقامة العلاقات الدبلوماسية والتجارية والسياسية مع هذه الكيانات يتحول لاحقا إلى اعتراف قانوني متكامل.

أما في موضوع الاعتراف بالحكومات فالقانون الدولي يقدم مادة أساسية في هذه المسألة. هو يدعم حكومات المنفى أو الحكومات التي تتشكل تحت ظروف الاحتلال والتي تقود مشروع تحرر وطني شامل من هذا الاحتلال وتسعى لطرده من الأراضي التي يشغلها.

خطوة الائتلاف الوطني السوري الهادفة لنزع الاعتراف بالحكومة الانتقالية بدل التركيز على إسقاط مشروعية نظام بشار الأسد قد تتحول إلى بوميرانغ ترتد عليه إذا لم يكن حذرا في دراسة جميع تفاصيل وأبعاد هذه الحملة، ربما ما قاله جورج صبرا بشأن شرط توفير الضمانات المسبقة، وضرورة كسب تأييد المجتمع الدولي باتجاه الاعتراف بهذه الحكومة قبل الإقدام على قرار إعلانها هو الذي يدفعنا للقول إن المجلس الوطني والائتلاف المعارض يعرفان مخاطر وانعكاسات تحرك بهذا الاتجاه يعلن دون دراسة جميع جوانبه السلبية والإيجابية.

فمشكلة الائتلاف الوطني الأولى ستكون حول مشروعية هذه الحكومة والطرح الفوقي الذي يقدمه بشكل يتناقض مع الرؤية والاستراتيجية التي يتبناها منذ ظهوره إلى العلن.

مشكلة الائتلاف الوطني الثانية في حال تمسكه بمشروع الحكومة الانتقالية ستكون حول قدرة وحق هذه الحكومة في تمثيل المعارضة السورية أولا والشعب السوري بأسره ثانيا وطريقة تعاملها مع النظام في دمشق ثالثا.

أما العقبة الأهم في هذا الطرح الفريد من نوعه فهي احتمال أن تتحول الحكومة الانتقالية إلى مكسِّر عصى وخشبة خلاص تجعل منها قوى التحرر والمجموعات المعارضة وانتفاضات الربيع العربي التي هبت تطالب بالسلطة وبإسقاط أنظمتها النموذج البديل المفروض بقوة السلاح ودعم الآخرين.

باختصار أوضح، القانون الدولي لم يسبق له أن تعامل مع حالات من هذا النوع وبهذا الشكل، ونحن هنا لا نعترض طبعا على أن تكون المبادرة نموذجا جديدا يستحق التجربة التي قد تنجح، بل نتحفظ على ترك المسألة تحت رحمة التجاذبات السياسية والدبلوماسية بين القوى الإقليمية والدولية تتلاعب بها بحسب مصالحها وحساباتها.

هي قد تسهل للمعارضة السورية ربما تحقيق بعض الإنجازات على الأرض بهذا الخصوص، لكن الخطورة الأكبر ستكون محاولات نقل وتعميم هذه الحالة وطرح تطبيقها عند الضرورة في الكثير من بلدان وعواصم المنطقة التي تنتظر دورها لتجرب حظها في ربيع آخر.

تجربة قبرص التركية عام 1983 والثمن الذي ما زالت أنقرة ولفكوشا يدفعانه حتى اليوم لا يحتاج إلى تذكير به فهما على الرغم من أن الموضوع يتعلق بإعلان دولة شمال قبرص والمعارضة السورية لا تعلن ولادة دولة جديدة فإن سوء التقدير والتخطيط وقتها حول احتمالات اعتراف المجتمع الدولي لاحقا بهذه الدولة إلى مواجهة مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتصلبهما في رفض التعاون مع المولود الجديد. المخيف هو أن تتخلى قوى المعارضة عن إنجازاتها التي حققتها حتى اليوم فتسقط في فخ حكومة انتقالية تفشل ليس في قطع الطريق على الحكومة السورية في دمشق بل تقود سوريا باتجاه مواجهة الحكومتين وتتحول الأنظار عن النظام ومشروعيته وحقه في البقاء في السلطة بعد كل عمليات القتل والتدمير التي شاركت الأسلحة الثقيلة والطائرات والمدفعية والدبابات وراجمات الصواريخ في تنفيذها.

ما لا يشجع عليه القانون الدولي قد تفرضه لعبة التوازنات الدولية، لكن الحل الأنجع هو أن يعزز الائتلاف الوطني من حجم الدعم الدولي له، وأن يوسع رقعة انتشاره في الداخل السوري، وأن يركز على معادلة لا شرعية النظام، وأنه بات هو جاهزا ليس لإقامة حكومة انتقالية؛ بل حكم انتقالي كامل خطوته الأولى تبدأ من دمشق وتنتهي في آخر شبر من الربوع الشامية.