الجبهة الأضعف للنضال الفلسطيني

TT

كلما تعمقت عزلة إسرائيل الدولية، وكلما نأت بنفسها عن التسوية السلمية.. تسارعت وتيرة تحولها إلى مجتمع يميني شوفيني منغلق على ذاته.

ذهنية «الغيتو» ليست جديدة على المجتمع اليهودي أينما وجد. ولكن اللافت أن ما كان يهود الشتات يزعمون أنه ضمانة لوجودهم المستقل، أي «الدولة الملجأ» (إسرائيل)، تحولت بدورها إلى «غيتو» كبير تفصله عن الخارج قضبان ذهنية شوفينية، تزداد ترسخا مع مر السنين، عوض أن تكون «تأشيرة» انفتاح اليهود على الآخرين. استنادا إلى إحصاءات إسرائيلية، كانت نسبة الإسرائيليين الذين يصنفون أنفسهم في خانة اليمين السياسي، عام 2010، تبلغ 34%. وبعد أقل من عامين، أي بنهاية عام 2012، ارتفعت نسبتهم إلى 41%.

عوامل كثيرة ساهمت في هذا الانجراف المتواصل نحو اليمين الشوفيني، أبرزها التبدلات التي طرأت على تركيبة المجتمع الإسرائيلي خلال السنوات الماضية، مثل ارتفاع عدد اليهود من أصول شرقية (السفارديم) ورجوح كفة المتدينين على الليبراليين. إلا أن العامل الأبرز في تنامي هذا التيار، يعود إلى المردود الانتخابي الذي جنته سياسة التصلب الليكودي حيال الفلسطينيين وتجاهلها الممنهج للتسوية السلمية.

في ظل هذا المناخ اليميني، لا يبدو مستغربا أن يتحول حزب شوفيني ناشئ، مثل حزب «البيت اليهودي»، إلى أسرع الأحزاب الإسرائيلية نموا عشية الانتخابات البرلمانية المقبلة، ويصبح رئيسه نفتالي بينيت، «الظاهرة اليمينية الجديدة» في البلاد، كما تسميه وسائل الإعلام الإسرائيلية.

صعود نجم رئيس حزب «البيت اليهودي» يعود، حصريا، إلى مزايدته على تحالف نتنياهو - ليبرمان، (وربما صراحته) في المطالبة بـ«ضم» كل الأراضي الفلسطينية إلى دولة إسرائيل. واللافت أن دعوته تلاقي تجاوبا ملحوظا، خصوصا في أوساط الناخبين الشبان ممن يستهويهم استغلال ذهنية «الغيتو» اليهودية على خلفية أمنية لا إثنية فحسب.استطلاعات الرأي الإسرائيلية تتوقع فوز هذا الحزب اليميني المتشدد بنحو أربعة عشر مقعدا من أصل مقاعد الكنيست المائة والعشرين، بحيث يصبح الحزب الثالث، عدديا، بعد حزبي «الليكود - بيتنا» و«العمل».

وهنا، يبرز التساؤل عما يمكن وصفه بتقصير الناخب الفلسطيني في إسرائيل عن لعب دوره الوطني على صعيد الحد من هيمنة اليمين الإسرائيلي على الكنيست.

نسبة الناخبين الفلسطينيين في الانتخابات الإسرائيلية تبلغ الـ20% من مجموع عدد المقترعين (وهم يشغلون حاليا 17 مقعدا من أصل مقاعد الكنيست الـ120)، مما يعني أن تجمعهم في لائحة واحدة كفيل بتحويلهم إلى الحزب الثاني، عدديا، في البرلمان الإسرائيلي.

ولكن، بينما يزداد الناخب الإسرائيلي مذهبية وتقوقعا، يتراجع باطراد اهتمام الناخب الفلسطيني بالعملية الانتخابية كلها، بدليل أن نسبة إقبال الفلسطينيين على صناديق الاقتراع، التي كانت تبلغ الـ75% عام 1999، انخفضت إلى 53% في انتخابات عام 2009.

ورغم أن لكل الناخبين الفلسطينيين قضية وطنية واحدة، فقد فشلوا في جعلها سقفا جامعا لنشاطهم السياسي، وانقسموا على ثلاثة تيارات متصارعة (إسلامية وقومية وشيوعية)، لا تقدم قضيتهم الوطنية بقدر ما تشرذمها. ومع التسليم بصحة وصف المثقفين الفلسطينيين للنظام البرلماني الإسرائيلي بأنه «ديمقراطية لليهود فقط» – الأمر الذي يؤكده الاتساع المطرد للفجوة الاجتماعية الاقتصادية القائمة بين يهود وعرب إسرائيل - فإن فئوية هذه الديمقراطية لا تبرر دعوة بعض الفلسطينيين إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة بينما المطلوب عكس ذلك تماما، أي المزيد من الانخراط في اللعبة البرلمانية، بحيث يتمكن فلسطينيو الداخل من تثبيت موقعهم كثاني كتلة برلمانية في الكنيست، وعبرها ممارسة المزيد من الضغوط الانتخابية والبرلمانية على الحكومات الإسرائيلية.. فلا يبقى فلسطينيو الداخل الجبهة الأضعف في معركة التسوية السلمية في المنطقة.