الأسدنة.. سرطان سياسي!

TT

لا تزال أصداء الاعتداء المجرم من قبل قوات بشار الأسد بطائرات «الميج» على حرم جامعة حلب وقذفها بالصواريخ تلقى الاستهجان والتندر، وهو الاعتداء الذي أودى بحياة أكثر من 200 ضحية في مشهد فيه فصل جديد من أحوال الرعب والموت التي يمارسها هذا النظام المجرم في حق شعبه.

مسلسل القتل والتدمير والتخريب مستمر في سوريا بشتى الوسائل والطرق والأساليب. حلب تتعرض لحملة منظمة من الإبادة بحق كل رموزها المدنية والحضارية. سوق المدينة العريقة الحاملة للإرث المملوكي والعثماني الجميل والتي كانت تعتبر أهم وأكبر سوق مسقوفة في التاريخ تعرضت لحريق هائل أودى بالمحال التاريخية فيه جراء قصف النظام له، وكذلك حصل بالنسبة للجامع الأموي الكبير في المدينة الذي حرق ونهب وأتلف بشكل متعمد، وطبعا حصل نفس الشيء بالنسبة لرمز المدينة الأشهر؛ قلعة حلب الشامخة التاريخية.

واليوم ها هو يعتدي ويدمر جامعة حلب؛ إحدى أهم وأعرق الجامعات العربية، تلك الجامعة التاريخية التي كانت مؤسسة قبلما تلوث سوريا بنظام بشار الأسد ووالده وحزب البعث. استهداف جامعة حلب وكلية العمارة العريقة فيها وكأن المقصود به رسالة مبطنة ولكنها واضحة جدا إلى كل من يريد إعادة إعمار سوريا في المستقبل، فالنظام ليس فقط يدمرها ويبيدها، ولكنه يدمر ويبيد كل من يفكر أو يكون جزءا من فكرة إعادة إعمار سوريا مستقبلا.

حذر علماء السياسة ومتابعوها ومحللوها من خطورة الوضع في الداخل السوري والخوف الشديد جدا من تطور الأوضاع وتدهورها، ووصفوا الوضع بأنه «صوملة» أو «لبننة» أو «عرقنة»، في إشارة إلى تدهور أوضاع دول عربية مختلفة عانت ويلات التفتت والاقتتال الداخلي البشع فيما بينها، وانقلبت إلى فرق ومجاميع متقاتلة، دول كالصومال ولبنان والعراق باتت أمثلة مخيفة للانهيار والاقتتال البيني والثمن الباهظ لكل ذلك الأمر. ولكن ما يحدث في سوريا اليوم هو ظاهرة سيسجلها التاريخ السياسي ويحللها لاحقا، هي ظاهرة من الممكن أن يطلق عليه «الأسدنة»، وهي تتعلق بفكرة «إبادة» شعبك حتى يحكمك، وترويج فكرة أن العالم يتآمر عليك لأنك صاحب مبدأ ومقاوم، وتكرار تلك الأسطوانة المشروخة المرة تلو الأخرى لمحاولة «إقناع» العامة بتلك الفكرة من باب الخوف أو الاستسلام.

الأسدنة ستكون حالة سياسية تدرس وتراجع بدقة، وسيجتمع على مراجعتها علماء النفس ليستوعبوا حالة الذعر والخوف التي زرعها النظام في نفوس شعبه عبر عقود من الزمن، ومن خلال أدوات الذل والإجرام والمهانة، وكذلك سيدرسها علماء الاجتماع في كيفية تكوين النظام لطبقات حاقدة على بعضها البعض، وتكوين نفوس مليئة لا تثق بالآخر، ولا تأتمن له، ولا تعمل معه، ولا تعتمد عليه، وسيدرسها علماء الاقتصاد في كيفية تمكن النظام من القضاء على روح المبادرة والإقدام التي عرف عنها الاقتصادي السوري تقليديا وأجبر على الهجرة وترك البلاد وتم إشغاله بنفسه وإغراقه بالديون الهائلة عبر مسلسلات هزلية من الإخفاق الاقتصادي والتجارب الاقتصادية التي أنهكت البلاد والشعب بشكل مذل ومهين.

المسألة مستمرة ولم تنته بشتى صورها، وستستمر الظاهرة الأسدية حتى الرمق الأخير، فالنظام الذي جاء على حصان الكذب وتحت ستار الخيانة لم يقتنع هو شخصيا بكل شعارات العروبة والمقاومة والاشتراكية والوحدة التي كان يرفعها، ومارس فعليا وعمليا عكس بشكل مقنن ومستمر ومتواصل، وبالتالي اليوم وهو يواجه «شعبه» في معركة البقاء والخلاص لم يعد هناك مكان للخجل ولا حتى لأنصاف الكذبات، فالقناع سقط تماما وظهر الوجه الحقيقي.

بشار الأسد الذي جاء للحكم في حفلة تنكرية لبرلمان مجلس الشعب السوري وتم فيها «سلق» الدستور وتفصيله على مقاس الابن في مشهد كوميدي ساخر لمحاولة إقناع العالم بأن الاختيار كان «ديمقراطيا»، علما بأن بشار الأسد نفسه لم يكن خيار الأب حافظ الأول، وإنما جاء احتياطيا بعد مصرع شقيقه الأكبر باسل الأسد في حادث سيارة غامض، واستقبله الناس بعبارات مبسطة مثل «دكتور حباب» و«بيفهم بالإنترنت»، وهي عبارات أطلقت لإشغال الناس عن استمرار مسلسل «الأسدنة» البغيض الذي أوصل سوريا العظيمة للحال الحزين الذي وصلت إليه اليوم.

قتل في الناس الأمل، ولد الشك والخوف بينهم وبين بعض، أخرجهم من أبواب الكرامة وجردهم من الحرية، فلم يعد أمامهم سوى المطالبة بها والخروج علنا وعيانا. العالم يخون ثوار سوريا ويمنع عن جيشها الحر السلاح والمعلومة، ويتدخلون في مالي فورا لإنقاذ «الوضع»، بينما سوريا وشعبها يئنون جرحى وصرعى وقتلى لأكثر من سنتين، إنه النفاق السياسي المعيب.

الأسدنة هي سرطان سياسي ابتلي به العالم العربي، مثله مثل إسرائيل تماما، ولا بد من الخلاص منه، والأسد مجرم لا يفوقه في الإجرام إلا من يؤيده ويبرر له.

[email protected]