هل سبق لك أن أكلت (عفريتا)؟!

TT

بينما كنت في منزلي مسترخيا على الكنبة - وأنا بالمناسبة أنتمي لما يسمى (بحزب الكنبة)، وزدت عليهم أيضا أن أضفت لها كذلك (السرير)، فيومي كله أقضيه بين هذا وذاك، فكلما هزني الشوق ذهبت إلى السرير، وكلما تعبت و(تفلت العافية)، أجلس أو بمعنى أصح أنطرح على الكنبة وأنا ألهث، إن هذا الأسلوب أو التقليد إنما هو تقريبا بالنسبة لي مجرد رياضة محببة لا أستطيع الاستغناء عنها.

أعود إلى ذلك اليوم المريح عندما كنت مسترخيا على الكنبة وبيدي (الريموت كنترول) أقلبه بين القنوات الفضائية، وإذا بي أقع على شيخ وجهه يملأ الشاشة، صدمت في البداية إلى درجة أنني بدأت (أبسمل وأحوقل)، وقبل أن أقلب المحطة سمعته وهو يقول بالحرف الواحد: إن أكل لحم (العفريت) حلال، في البداية شككت في سمعي واعتقدت أنه يعني لحم (الجزور) أو ما شابه ذلك، ولكنني تأكدت أن سمعي ولله الحمد (صاغ سليم)، وذلك عندما سمعت المذيع يسأله قائلا: وهل سبق لك يا فضيلة الشيخ أن أكلت عفريتا؟!، أجابه دون أن يرف له رمش قائلا: نعم ولكن أحيانا وليس دائما.

الواقع أنني ذهلت، وحسب الفضول والاستطلاع هو الذي أرغمني على المتابعة، وفهمت منه أن بعض العفاريت والجن مثلما يزعم يتقمصون بعض الحيوانات كالأغنام والجمال والدواجن.

وعاد المذيع يسأله: وهل يتقمصون كذلك الأسماك؟!: أجابه قائلا: لا أعتقد ولست على أي حال متأكدا من ذلك، الشيء الذي أنا متأكد منه أنهم قد يتقمصون أيضا بعض الأرانب البرية والجرابيع.

وبالصدفة في ذلك اليوم كان أهل بيتي طابخين لي على الغداء صدر دجاجة، فأزحتها على جنب لأن الشك بدأ يداخلني معتقدا أن ذلك الصدر قد يكون صدر عفريتة، وأنا يا غافل لك الله لا أدري، ولي الآن من دون مبالغة أكثر من أسبوع، مضرب نهائيا عن أكل أي لحم كان، حتى الأسماك لم أعد آكلها، باختصار أصبحت نباتيا (مجترا) وكل هذا حصل من بركات الشيخ الجليل آكل لحوم العفاريت، رغم أنه بيني وبينكم، لا زلت أشتاق أحيانا إلى أكل صدر دجاجة (بياضة).

* *

تنتابني بين الحين والآخر فترات حزن ليس لها مبرر أو تفسير، فأعتزل الناس جميعا، وأقبع منفردا على حالي أشكي همي بعد الله إلى نفسي، لأنني بطبيعتي مؤمن بالمبدأ القائل: اضحك للدنيا تضحك لك، وإذا أردت أن تبكي فابك لوحدك، ولا تكشر وتحمل الآخرين أحزانك، لأنهم فعلا ليسوا بناقصين، ففيهم ما يكفيهم.

هذا هو ديدني بالحياة، ولا أدري من أين أنا أتيت بكلمة (ديدني) هذه؟! ولكنها خطرت على بالي هكذا فأوردتها دون أن أعي، المهم لو أن الله أحياني وأمد في عمري وذهبت إلى الصين، فلا شك أنني سوف أذهب من أول يوم إلى مقهى أطلقوا عليه اسم (مقهى الأحزان)، وهو يتيح لرواده التعبير عن حزنهم بالبكاء الجماعي، لقاء ستة دولارات في الساعة الواحدة، مع تقديم المشروب والمناديل وزيت النعناع والموسيقى الحزينة.

وأحلى ما في الموضوع أنه من الممكن أن تعطيهم مسبقا صورة لامرأة ما قد تكون سبق لها أن كسرت خاطرك، وفي اليوم الثاني يأتون بها لك (كدمية)، وما عليك إلا أن تفعل بها ما شئت من الضرب والركل والتحطيم، وبعدها سوف ترتاح، بعد أن تشفي غليلك.

[email protected]