مطلوب مبادرة إسلامية في مالي

TT

الخطر الذي تهدده مجموعات متفرعة من «القاعدة» كجماعة أنصار الدين في بلد مثل مالي (السودان الفرنسي سابقا) والتي استدعت تدخلا دوليا لا يهدد الغرب بقدر ما يستهدف المسلمين أصلا ويواجههم بتحد تاريخي.

التهديد الجغرافي يبدأ بمنطقة الساحل وبلدان شمال غربي أفريقيا (موريتانيا والنيجر وتونس والمغرب والجزائر)، لكن الخطر يتجاوزها تاريخيا وثقافيا إلى كافة البلدان الإسلامية خاصة أن الجماعة المسؤولة تعتمد في تمويلها على تهريب مخدرات كالهيروين إلى أوروبا عبر بلدان المغرب وخطورة تأثير المخدرات وحدها على هذه البلدان لا تغيب عن القارئ.

استراتيجية «القاعدة»، استهداف بلد إسلامي منهار سياسيا لتحويله إلى إمارة تصدير الإرهاب كما حدث في أفغانستان بنظام قدم النموذج الأكثر دموية لآيديولوجية سيد قطب للعنف حتى تمكن تحالف دولي من تشتيت بؤرة قيادة «القاعدة» وإجبارها على التشتت والاختباء.

غالبية ضحايا الإرهاب المباشر كانوا مسلمين (مصر، المغرب، الأردن، المملكة السعودية، اليمن، العراق، إلخ) بجانب الضرر غير المباشر من معوقات السفر وما يتعرض له المسلمون في الغرب.

المسلمون في مالي يهتفون باسم فرنسا ورئيسها هولاند ممتنين لإسراعه بتلبية استغاثة حكومتهم.

وعلى المسلمين والعرب التعامل بالعقل لا العواطف الطفولية لإقناع المجتمع الدولي، وبالتحديد بلدان الناتو، بتوسيع العمليات في مالي لاستئصال إرهاب «القاعدة» (بلافتة أنصار الدين) لأن ترك فرنسا وحدها في عملية قصيرة الأجل ثم توكيل الأمر لقوات أفريقية سيؤدي لبقاء الإرهابيين في شمال البلاد، أي كوضع ضمادة على جرح متقيح لا تطهيره، مما يصيب بقية الجسم الإسلامي بالغرغرينا المميتة.

ومن الضلال تصوير العملية الفرنسية بأنها عودة الاستعمار إلى أفريقيا.

إدانة «التدخل الاستعماري» خرافة اخترعتها تيارات تحترف بروباغندا تزييف التاريخ مثل اليسارين، العربي والأوروبي، حيث يدعم اليسار أي خصم لأميركا ولمعسكر السوق الرأسمالية الحرة؛ والعروبجية الناصريون والبعثيون (الذين دعموا عدوان صدام على الكويت واتهموا المسلمين المشاركين في تحالف تحرير الكويت «بدعوة الاستعمار إلى أرض العرب»، وهي البروباغندا التي روجتها عصابات بن لادن والظواهري لتبرير إرهابها في الجزيرة العربية)، والإسلامجوية والمثقفون الذين يلومون الضحية عند استعانتها بالغرب بعدما رفض المسلمون إنقاذها من مخالب الموت.

فليواجه عقلاء المسلمين البروباغندا التضليلية بأن استغاثة حكومة مالي بفرنسا لتطهير أرضها من الإرهاب وحماية مواطنيها تفتح الباب «لإعادة استعمار الساحل» مثلما رددت زقزقات مثقفين عرب في «تويتر».

ومن السذاجة تصور أن تكون فكرة «إعادة استعمار أفريقيا» خطرت ببال الرئيس هولاند الذي كان أول خطوات سياسته الخارجية سحب قوات بلاده من أفغانستان. كما أنه رئيس حكومة منتخبة ديمقراطيا في بلد تعارض صحافتها الحرة والرأي العام فيها التورط في حروب خارجية؛ ولذا فتكاسل المثقفين العرب والمسلمين عن شرح هذه البديهيات للرأي العام هو تقصير في واجبهم تجاه الجماهير العربية والمسلمة.

الخطورة أن عدم تحمس الرأي العام في بلدان الناتو (خاصة أميركا) قد يضطر فرنسا إلى عدم إكمال المهمة وترك مساحات شاسعة في شمال مالي تحت سيطرة وكلاء «القاعدة»، مهددين البلدان الإسلامية حولها.

المطلوب من الاستراتيجيين والمفكرين إثارة جدل مبدأين أساسيين: مبادرة لتدخل البلدان الإسلامية لحماية الشرعية في مالي ومواطنيها ومواطنيهم من الإرهاب.

وثانيا استعادة زمام المبادرة من عصابات الإرهاب بنقل الحرب إلى الإرهابيين أنفسهم.

العبرة بالنسبة للمبدأ الأول من نجاح مجلس الأمن في حماية الشعب الليبي عام 2011 بتبني مشروع قرار المجموعة العربية تحت الفصل السابع؛ (بينما لم يفلح في سوريا لعكس أسباب نجاح ليبيا).

مبادرة إسلامية في الأمم المتحدة للتدخل في مالي، بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي كمنظمة إقليمية يخولها مجلس الأمن مهمة الحماية المسلحة بعد انتهاء مهام القوات الدولية والتي لا بد أن تكون رأس حربتها قوات إسلامية لمكافحة الإرهاب، تجنبا لوجود ما يماثل جبال وزيرستان (حدود أفغانستان باكستان) لكن على نطاق أوسع في شمال مالي إذا ما اضطرت سلبية المسلمين فرنسا إلى عدم إكمال المهمة.

جدل المفكرين المسلمين سيواجه الجماعات التي أوصلتها ثورات 2011 للسلطة (كالإخوان في مصر والنهضة في تونس) بامتحان تاريخي لمصداقيتها أمام الشعوب التي تدعي أنها تمثلها. هل الجماعات التي رفعت شعار الإسلام على ملصقات الدعاية الانتخابية ترى أن حماية المسلمين من الإرهاب جزء من مهمتها كحكومة مسؤولة؟ أم أنها لا تزال تفتخر بتاريخ أجهزتها السرية في مرحلة العنف والتفجيرات والاغتيالات بلا نية جادة في مواجهة المسؤولية الحالية كحكومات منتخبة؟

إذا كانت الأهداف الحقيقية للجماعات الحاكمة تطابق الشعارات التي أوصلتها للحكم فلا عائق إذن من مشاركتها في مبادرة حماية الشرعية وحماية شعب مالي (المسلم) وشعوب بلدانها من تساقط شظايا إمارة إرهاب في الجوار الجغرافي؛ وتنظيف صورة الإسلام دوليا من الإرهاب؛ وإنهاء الحاجة لدعوة غير المسلمين لحماية بلدان إسلامية. عندئذ تكون القوات الدولية لحماية مسلمي مالي قوات إسلامية وعربية وأفريقية لا قوات فرنسية.

أما استراتيجية مكافحة الإرهاب فتتطلب موازنة التكتيك العسكري (استهداف الإرهابيين في معسكرات تدريبهم، أماكن اختبائهم، مخازن أسلحتهم) بتكتيكات استباقية المعلومات الاستخبارية باختراق تنظيماتهم ودعم التعليم الحديث لمنعهم من التغرير بعقول الصغار، وتنشئة جيل مسلمين قادر على مقاومة تضليلهم والتبليغ عنهم، وهذا يعني عدم الإضرار بمدنيين عند توسيع رقعة استهداف الإرهابيين عسكريا، وبدوره يتطلب تعاون المسلمين أنفسهم لتحديد بؤر الإرهاب بدقة وتجنب إصابة الأبرياء.

تكنولوجيا الطائرات بلا طيار drones اكتسبت، للأسف، سمعة سلبية في الصحافة العربية والإسلامية رغم أنها أكثر الوسائل المتاحة (حتى الآن) دقة في تحديد الأهداف الإرهابية (فالطيار بشر قد تتغلب غريزة الحفاظ على حياته على تقديره فيسرع بإفراغ ذخيرته مصيبا مدنيين للهروب، وهو خطأ تتجنبه الـdrones).

استراتيجية استهداف الإرهابيين في صحراء شمال مالي، أو جبال اليمن أو جبال شمال باكستان أساسه قاعدة بسيطة: أن ينشغل الإرهابيون بحماية أنفسهم والحفاظ على أرواحهم والاختباء والهرب مستنفدين القسم الأكبر من إمكانياتهم وطاقتهم ومواردهم وتنظيماتهم التي عادة ما يوظفونها في عمليات إرهابية تستهدف الأمنيين والمدنيين في بلداننا.

هذه الأساسيات يجب أن يشرحها المثقفون العرب والمسلمون للرأي العام في بلدانهم ودعم مقاومة الإرهاب في مالي، بل وتقديم العون للبلدان التي بادرت بالاستجابة لنداء الرئيس أمادو تومالي توري بالتدخل، كفرنسا وبريطانيا، بدلا من إدانتها. فسقوط مالي في أيدي جماعات إرهابية تعني أفغانستان أخرى في شمال غربي أفريقيا، ولا تزال تجربة أفغانستان ماثلة في الأذهان كآثار الشظايا التي طارت منها وتساقطت على رؤوس المسلمين أنفسهم قبل نيويورك وبعدها.

تابع الكاتب على «تويتر» AdelDarwish@